مقال بعنوان: درجات الصبر وفوائده وشروطه
مقال بعنوان: درجات الصبر وفوائده وشروطه
معنى الصبر لغةً: الصَّبْـرُ نقيض الجَزَع، صَبَرَ يَصْبِرُ صَبْـرًا فهو صابِرٌ وصَبَّار وصَبِيرٌ وصَبُور والأُنثى صَبُور أَيضًا بغير هاء وجمعه صُبُـرٌ.وأَصل الصَّبْر الحَبْس وكل من حَبَس شيئًا فقد صَبَرَه، والصبر: حبس النفس عن الجزع
معنى الصبر اصطلاحًا:( الصبر هو حبس النفس عن محارم الله، وحبسها على فرائضه، وحبسها عن التسخط والشكاية لأقداره) وقيل هو:( ترك الشكوى من ألم البلوى لغير الله لا إلى الله) وقيل الصبر: (حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، أو عما يقتضيان حبسها عنه).
يقول العارف المعروف كمال الدين عبدالرزاق الكاشاني: "إنّ المقصود من الامتناع عن الشكوى، هو الشكوى إلى المخلوق، وأما الشكوى عند الحق المتعالي وإظهار الجزع والفزع أمام قدسيته فلا يتنافى مع الصبر. كما اشتكى النبي أيوب عند الحق سبحانه قائلاً: (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) (ص/ 41)، ورغم أنّ الله تعالى أثنى عليه بقوله: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص/ 44)، وقال النبي يعقوب: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ) (يوسف/ 86)، مع أنّه كان من الصابرين".
ويبدو من تراجم حياة الأنبياء العظام– صلوات الله علهيم أجمعين – رغم أن مقاماتهم كانت أرفع من مقام الصبر ومقام الرضا والتسليم، إنّهم لم يمتنعوا عن الدعاء والتضرع والعجز أمام المعبود، وكانوا يسألون حاجاتهم من الحق سبحانه. إنّ تذكر الحق جلّ وعلا والخلوة والمناجاة مع المحبوب وإظهار العبودية والذل أمام عظمة الكامل المطلق، غاية آمال العارفين وثمرة سلوك السالكين.
مقام الصبر: إنّ الصبر يعتبر من مقامات المتوسطين، لأنّ النفس ما دامت تكره المصائب والبليات، وتجزع منها، فهذا يعني أن مقام المعرفة ناقص. كما أن مقام الرضا بالقضاء، والإبتهاج من إقبال المصائب عليه، مقام أرقى من مقام الصبر، رغم كون مقام الرضا من مقام المتوسطين أيضاً. فالإنسان إذا أدرك حقيقة العبادة وآمن بصورها البهية في الآخرة، وكذلك آمن بالصور الموحشة للمعاصي، لما كان للصبر على الطاعة أو المعصية معنى. بل الأمر يغدو معكوساً، فترك العبادة عنده أو فعل المعصية هو الأمر المكروه الذي يتسبب بجزعه النفسي، جزع أكثر من جزع الصابرين في البليات والمصائب.
درجات أهل المعرفة: للصبر درجات أخرى ترجع إلى الكاملين العارفين بالله، الأولياء الصالحين، ومن هذه الدرجات: –
الصبر في الله: وهو الثبات في المجاهدة وترك ما هو متعارف لدى الناس ومألوف عندهم، بل ترك نفسه في سبيل الحبيب.
اولا- الصبر مع الله: وهو خاص بالذين قد تجردوا عن خصوصياتهم المادية، وذاب قلبهم في الله وصار محط أنواره، حتى غرق في الأنس من جهة والهيبة من جهة أخرى، حفظ نفسه عن التوجهات المتعددة، حتى لم تعد ترى إلا شيئاً واحداً وهو الله سبحانه وتعالى.
ثانيا- الصبر عن الله: وهو من درجات عشاق الله والمشتاقين من أهل معرفته الذين شاهدوا جماله تعالى ببصيرة القلوب، فهم يشكون من فراق المولى والحبيب، وهو من أصعب مراتب الصبر، وقد أشار إلى هذه المرتبة مولى السالكين وإمام الكاملين وأمير المؤمنين (ع) في دعاء كميل: "فهبني يا إلهي وسيدي ومولاي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك".
ثالثا- الصبر بالله: وهو لأهل الاستقامة، حيث يحصل بعد الصحو والبقاء بالله،وبعد التخلق بأخلاق الله، ولا نصيب فيه إلا للكامّلين.
رابعا شروط الصبر:-
1- الاخلاص لله في الصبر واحتساب الأجر كيف تصبر؟ ولمن تصبر؟ وما تريد بصبرك؟ قال الله تعالى( اصبروا وصابروا ورابطوا).
1- ) إنما الصبر عند الصدمة الأولى ) تصبر بمجرد معرفتك للخبر فالصبر لا يكون الا في أوانه.
3- عدم الشكوى لغير الله الا للضرورة القصوى 4- عدم السخط لامر الله والجزع والنفور
5- من اعظم الصابرين هو من يكون حاله بعد المصيبة كحاله قبلها أي لا يتغير
6- لا ينسى ذكر الله خاصة ( إنا لله وإنا إليه راجعون ….اللهم اجرني في مصيبتى وأخلفني خيرا منها )
7- عدم خروج كلمة تنافي حكم الله تعالى، فرب كلمة جرى بها اللسان هلك بها الإنسان.
8- عدم ضرب الوجه او الجسد أو شد الشعر وتمزيق الثياب وغيره مما يدل على التسخط
خامسا من فوائد الصبر أنه :
1- دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام.
2- يورث الهداية في القلب.
3- يثمر محبة الله ومحبة الناس.
4- سبب للتمكين في الأرض.
5- الفوز بالجنة والنجاة من النار.
6- معية الله للصابرين.
7- الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة.
8- مظهر من مظاهر الرجولة الحقة.
9- صلاة الله ورحمته وبركاته على الصابرين.
أ.م.د حسين علي ريس
قسم العقيدة والفكر الاسلامي