مقال بعنوان: الصحبة الطيبة وأثرها في سلوك الفرد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد(صلى الله عليه وسلم) وعلى اله وصحبه اجمعين… اما بعد :
تؤدي الصحبة دورًا كبيرًا بل أساسيًا في تحديد سلوك الفرد، وبيان اتجاهاته في مناحي حياته المختلفة، فالصحبة الطيبة الصالحة لها آثارها المحمودة ونتائجها اﻹيجابية على الفرد دينيًا ودنيويًا، والصحبة غير الصالحة لها نتائجها السلبية ومساوئها الكبيرة على صاحبها كذلك؛ ونظرًا لأنّ المرء مدني بطبعه اجتماعي بفطرته، وأنه قليل بنفسه كثير بإخوانه فإنّه لا غنى له عن الصحبة؛ فهي مطلب فطري ونفسي في ذات الوقت .
أمرنا الله I في أكثر من آية أن نكون مع الجماعة المؤمنة حيث يقول تعالى: ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾، اي اجلس مع الذين يذكرون الله ويهللونه ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه ويسألونه بكرة وعشياً من عباد الله سواء كانوا فقراء أو أغنياء أو أقوياء أو ضعفاء، وقوله: ﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا﴾ أي شغل عن الدين وعبادة ربه بالدنيا ﴿وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾ أي أعماله وأفعاله سفه وتفريط وضياع ولا تكن مطيعا ولا محبا لطريقته ولا تغبطه بما هو فيه، يقول الدكتور محمد راتب النابلسي : إن النفس تتأثر بما حولها؛ عش مع التجار تتمنى أن تكون تاجراً، عش مع اﻷتقياء تتمنى أن تكون مثلهم، وإن أدمنت العلاقة مع الفساق تشتهي أن تكون مثلهم ، فان صحبة الأخيار في حد ذاتها عملٌ صالح، فأحِط نفسك بالمؤمنين الصادقين الأتقياء؛ تكُن منهم.
يجب ان يكون المؤمنون متعاونين معتصمين بحبل الله متوادين قائمين باﻷمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا لا يتأتى لهم ما لم يكونوا صحبة طيبة وإخوة متحابين يشد بعضهم أزر بعض، يقول الله I : ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾، ويقول I : ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ وفي آية أخرى يقول I : ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ .
وفي الحديث القدسي الذي يرويه النبي r عن ربه ما يشجع المرء ويحفزه على إيجاد صحبة تذكره بربه وتجمعه على طاعته، يقول الرسول _ صلى الله عليه وسلم_ :(قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَجَبَتْ مَحبِتي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ)، وإذا كان نبي الله وكليمه موسى u قد دعا ربه أن يكون له ناصر يشد أزره في سبيل الدعوة، ويكون له عونا على طاعته؛ فهذا يعني أننا نحن أحوج وأشد إلحاحا إلى هذا المطلب؛ فباﻷخ الصالح والرفيق المؤمن يكون المرء أكثر ثباتًا وعزمًا في امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه .
إنّ الصحبة الطيبة والرفقة الصالحة طريق إلى تحقيق الألفة المجتمعية والمحبة الصادقة التي تجمع أبناء المجتمع المسلم، وفي السيرة النبوية نجد أن من أهم الأعمال التي قام بها الرسول r بعد هجرته إلى المدينة المنورة هي المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، كما نجد أنّ الرسول r يؤكد على أهمية اتخاذ الصديق الذي يقوى به إيمان الفرد ويعرف دينه، فعن أبي هريرة t قال: قال رسولُ الله r : (الرجلُ على دين خليلِه، فلينظُر أحدُكم من يُخالِل)، وفي هذا يقول أحد الشعراء:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ** فكل قرين بالمقــارن يقتـــدي.
إنّ الصحبة الطيبة والرفقة الصالحة خير ما يستعين به المرء في أمور دينه ودنياه، ولعل الحاجة اليوم إلى الصحبة الطيبة والجليس الصالح أكثر إلحاحا وأعظم أهمية من أي وقت مضى؛ حيث الفتن الكثيرة كاﻷمواج المتلاطمة والمغريات العديدة والملهيات اللامتناهية التي أورثت كثيرًا من الناس الغفلة في قلوبهم، ؛ ولذا فإنّ الصديق الصالح الناصح نعمة عظيمة لا تقدر بثمن، وقد ورد في الاثر : (( ما أعطي العبد بعد الإسلام نعمة.. خيراً من أخ صالح، فإذا وجد أحدكم وداً من أخيه فليتمسك به)).
ونحن عندما نتحدث عن الصحبة الطيبة وأثرها في سلوك الفرد وأهمية الصديق الوفي والجليس الصالح، فليس مجرد ألفاظ مجردة عن معانيها ومضامينها، فالصحبة الطيبة يجب أن تكون عوناً للمرء في أمر دينه وسندًا في أمر دنياه، ومجردة من حب المصالح اﻵنية، ومكسبا لزيادة علمه ورقي أخلاقه، وفي سرائه وضرائه، وشدته ورخائه .
وعندما يعم المجتمع علاقات طيبة وصداقات حميمة وتعاون قائم على البر والتقوى وتآمر بالمعروف وتناهٍ عن المنكر؛ فإن ذلك بلا ريب سيعود نفعه على الفرد أولاً والمجتمع ثانياً، وكلما ترابط أبناء المجتمع ووطدوا علاقاتهم فيما بينهم؛ كان المجتمع قويا متماسكا صلب العود قوي الشكيمة شديد البأس دينيا واجتماعيا وأخلاقيا واقتصاديا وصحيا كذلك، فالدراسات الطبية المعنية بشأن سعادة الإنسان كلها تؤكد أن تمتع الإنسان بعلاقات طيبة وصداقات حميمة يعتبر مصدرًا مهمًا من مصادر السعادة الحقيقية، وكشفت إحدى الدراسات أنّ الصداقة الحقيقية تحقق السعادة بشكل أكبر مما تحققه العلاقات العائلية.
أ.د مشتاق ناظم نجم المجمعي