مقال بعنوان: اثر الصداقة في حياتنا
الصّداقة هي من أجمل وأرقى وأنبل العلاقات الإنسانيّة، فالصديق هو الشخص القريب من الإنسان والقريب من همّه ومشاعره، وهو الوحيد الذي يشعر بالإنسان في حال حزنه وفرحه بل ويشاركه هذه المشاعر بكل حب وصدق وإخلاص، والصّداقة هي من أكثر العلاقات التي تدوم وتستمر لأنها لا تكون مبنيّة بالعادة على أي نوع من المصلحة، والرّابط المشترك بين الأصدقاء هو المحبة الخالصة دون كذب ولا خداع، والصّداقة فطرة بالإنسان فطره الله تعالى عليها، فكل إنسان يحتاج لوقفة صديق مخلص معه لا سيما في النّائبات والشّدائد فالصّديق وقت الضّيق، وللصّديق على صديقه عدد من الحقوق والواجبات ومنها الإخلاص، الأمانة، تقديم النّصح، وقد ذكرت الصداقة في القرآن الكريم قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67]، فالأصل أن يكون الأخلاء؛ أي الأصدقاء قريبين لبعضهم ولكنهم يوم القيامة أعداء إلا المتّقين الذين تقوم علاقتهم على المحبة الخالصة لله .
أثر الصّداقة على الفرد والمجتمع للصّداقة أثر كبير على الأفراد والمجتمعات عامّة، ومن أثرها على الفرد أنها تُنمّي روح التعاون والإخاء والمحبة بين الأفراد، وتساعد الصّداقة الأفراد على أداء الواجبات الدّينيّة والدنيويّة، وتحمي الأفراد من الوحدة والملل وتجلب لهم السعادة والأمل والفرح، والصّديق هو المشجّع الأول لصديقه والدّاعم الرّئيسي له، والصّداقة تقود الأفراد إلى أعلى المراتب والنجاحات والإنجازات، مما يؤثر على المجتمع فيصبح مجتمعًا إسلاميًا متماسكًا محبًا لبعضه ومحبًا لغيره بعيدًا عن الكره والضّغائن والأحقاد، والصّداقة تزرع الفضائل الجيدة والخصال الحميدة مثل التعاون والمشاركة والصدق بين أفراد المجتمع وهذه الخصال من أهم الأسس للحصول على مجتمعات مزدهرة متكاتفة، وتُبعد الصّداقة عن المجتمعات الكثير من المشاكل الاجتماعيّة كالحسد والكره والنميمة فتنشأ مجتمعات طائعة لربها قائمة بواجباتها متماسكة موحدة، وتُعزز الصّداقة من مشاعر الولاء والانتماء في نفوس الأفراد فيعمل الأشخاص ويجتهدوا للنهوض بوطنهم ومجتمعهم. وما جمل قول الشاعر:
واذا كنت في قوم فصاحب خيارهم ولا تصحب الاردى فتردى مع الردي
اختيار الصديق فكما أنّ للصديق الجيّد العديد من الفوائد، فلصديق السّوء الكثير من المضار التي تعود على الشخص، فيجب على الإنسان أن يُحسن اختيار صديقه وصاحبه، لأن الصاحب الجيد يصحب صديقه إلى الخير وكذلك الصاحب السيء فإنه يجلب على صاحبه الويلات والمصائب في الدنيا والآخرة، وقد بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم الفرق بين الصّديق الجيّد والصّديق السّيء فقال عليه الصّلاة والسلام: (مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ والسَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ ونافِخِ الكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ: إمَّا أنْ يُحْذِيَكَ، وإمَّا أنْ تَبْتاعَ منه، وإمَّا أنْ تَجِدَ منه رِيحًا طَيِّبَةً، ونافِخُ الكِيرِ: إمَّا أنْ يُحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً ) ، والكير هو الأداة التي ينفخ فيها الحداد والنافخ المقصود به الحداد، وملخص الحديث أن من يصاحب الناس الأخيار لن يجد منهم إلا كل الخير والسلامة في الدنيا والآخرة، ومن يصاحب الناس الأشرار لن يجد منهم إلا الشر والخبث الذي لا بد أن يصيبه.
حيث قال تعالى على لسان الكفار المكذبيّن: { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا}،
وكما في قوله تعالى : ( فما لنا من شافعين * ولا صديق حميم} ( أي قريب، قال قتادة: يعلمون واللّه أن الصديق إذا كان صالحاً نفع، وأن الحميم إذا كان صالحاً شفع في صديقه.