مقال بعنوان: مشروعية الحوار الحضاري
أكد القرآن الكريم على الحوار الموضوعي الهادف، في العديد من الآيات الكريمات، واليك بعضاً منها:
قال تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ.
قال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.
قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ.
قال تعالى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
فيمكن القول أن القرآن ذلل طرق التحاور والتجادل بالتي هي احسن، الأسلوب الاحسن، والطريقة الافضل، والمنهج الاقوم، الذي يوصل الطرفان إلى الحقيقة التي ينشدونها من الحوار، فالقرآن لم يجوز امكانية الحوار فقط من خلال آياته، بل اعطى أهم الركائز التي يبنى عليها الحوار وحث على التمسك بها، والدعوة إليها، وفصلَّ الكلام في حوارات شتى مع كافة المتحاورين، الحوار مع أهل الكتاب، الحوار مع المشركين، الحوار مع ملائكته في قصة ادم، والحوار مع انبيائه وحوارات اخرى, مستدلين بها على مشروعية الحوار الفكري حول قضية ما.
ومن السنة المطهرة:- فقد ورد فيها عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه عقد حوارات متعددة، وبأساليب مختلفة استخدمها في نشر دعوته، وتبليغ رسالته، فمع الأذى الكبير الذي لقيه من أعدائه وما تعرض له النبي (صلى الله عليه وسلم) من استهزاء وسخرية إلا أن الرسول الكريم لم يتخل عن منهجه وفنه العظيم في المخاطبة والحوار مع الناس، حتى وقفت قريش موقف العدو الاوحد امام النبي (صلى الله عليه وسلم) ودعوته واتهمته بأباطيل ، فخلال سنوات كانت قريش تبذل الجهود من اجل وأد هذا الحوار مع النبي (صلى الله عليه وسلم) بأصل دعوته – ولا ننسى موقفهم عندما قدموا عليه عند ابي طالب وهم يعرضون عليه كل العروض المغرية في الحياة من سيد الى المال الى اغنى الاغنياء وملك الملوك، الا انه عليه الصلاة والسلام، كان رده: {والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي حتى اترك هذا الامر ما تركته حتى اهلك دونه او يظهره الله}.
وكلنا يعلم ذلك الحوار الذي دار مع المسلمين وملك الحبشة النجاشي، بين جعفر بن أبي طالب والملك. وكانت النتيجة لصالح المسلمين.
أو عن تحرك النبي (صلى الله عليه وسلم) في مواسم الحج ولقائه مع الحجيج وعرض الاسلام عليهم، يروي ابن هشام في سيرته ان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مر بعقبة منى، فسمع اصوات رجال، وكانوا ستة نفر ، كلهم من الخزرج هم : اسعد بن زرارة، عوف بن الحارث، رافع بن مالك، قطبة بن عامر، عقبة بن عامر بن تابي، جابر بن عبد الله، فقال لهم من أنتم، قالوا: نفر من الخزرج، قال افلا تجلسون اكلمكم ؟ قالوا بلى فجلسوا معه فشرح لهم حقيقة الاسلام ودعوته، ودعاهم إلى الله، وتلا عليهم القرآن، فقال بعضهم لبعض: تعلمون والله يا قوم: أنه النبي الذي توعدكم به اليهود فلا تستبقكم اليه، فاسرعوا إلى اجابة دعوته واسلموا. وكانوا من عقلاء يثرب، ولما رجع هؤلاء إلى المدينة حملوا إليها الاسلام ورسالته، حتى لم تبق دار من دور الانصار إلا وفيها ذكر لرسول الله.
هذه نماذج من الحوارات السامية الهادفة إلى تحقيق ما هو الاصح من حياة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولم تقتصر في محتواها العظيم بطبقة من المدعوين وانما كانت الحوارات مفتوحة مع كل الناس، هذا ما يجعلنا أن ننطلق في دعوتنا إلى كافة من نلاقيهم ولا نستعين بأحدٍ فلعل الله يجعل به تميزاً كثيراً كما جعل بهؤلاء ستة النفر من اهل يثرب سبباً لدخول العشرات من الناس في الاسلام، سببه في ذلك الحوار العظيم الذي عرضه وبأسلوب راقٍ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمام اعدائه أولاً وأمام من لا يعرفهم ثانياً، وهكذا شأن الحوارات الفكرية ففي كل وقت تلتقي بأناس أما تعرفهم أو لا تعرفهم فإذا اردت فتح باب الحوار فعليك اولاً بالطرح الملائم والحجة القوية. والايمان بالذي تدعو اليه حتى يتحقق ما تريد، وفي عصرنا العصيب اليوم فقد الداعون إلى عنصر الفضيلة اسلوب الحوار الناجح ففقدت دعوتهم جوهرها، فإما عنصر القهر والقوة، وأما عنصر المال والاغراء به، وهذان الامران سيؤول كل منهما في النهاية إلى الخسارة لعدم تحقيق الثقة الكاملة بنفوس المدعوين إلى ما دعوا إليه، فيجارون الحال من غير عقيدة، فإذا ما صدموا بأمر في مجال حياتهم انقلبوا رأساً على عقب وهذا الفارق الكبير بين حوار الإسلام وحوار غير الاسلام، المتمثلة بدعاته وعقيدة كل داع.
فيتبين لنا من هذين النموذجين أن اصل الحوار ممكن و جائز من خلال حوار القرآن وحوار السنة ودليل على مشروعيته واحقاقه وحاجة الناس إليه ليتعارفوا ويتبادلون ويتعايش كلًّ منهم مع الحق وعلى البيان والاستبيان الكامل لواقع الحياة الانسانية على ما بينهم من اختلاف.
م.م عمار ابراهيم صالح
قسم العقيدة والفكر الاسلامي
