مقال بعنوان: المسؤولية الجنائية عن نشر وعرض الجرائم في وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي
مقال بعنوان: المسؤولية الجنائية عن نشر وعرض الجرائم في وسائل الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي
اننا اليوم في العراق ازاء حالة غريبة بدأت تستشري منذ سنوات وتكاد تصبح ظاهرة عادية, وهي حالة عرض الجريمة المرتكبة من احد الاشخاص على الجمهور العام سواءا" من خلال اظهار المتهم نفسه عبر وسائل اعلامية ليقدم هو شرحا" مسهبا" عن كيفية اقترافه لجريمته أو من خلال عرض الصورة الحية أو الفيديو المحرز لكاميرات المراقبة التي انتشرت الى حد كبير حتى في البيوت العادية لأفراد بسطاء يركبوها حول المنازل بحيث تعرض المشاهد المحرزة لتلك الافعال الجرمية التي قام بها الجاني ليشاهدها الملايين من افراد المجتمع العراقي, وهذه حالة غريبة جدا" اذا ما علمنا بأنه حتى لو كان العصر والزمان قد تبدل وتغير نحو التطور الا ان قوانين الدول بشأن ضرورات المحافظة على سلامة التحقيق وحسن سيره والمحافظة على هيبة القانون والمحاكم والخصوصيات المتعلقة بطبيعة سير العمل الاجرائي فهي لم تتغير في الدول بل زادت شدة المحافظة عليها كونها تمس ايضا" الحقوق الفردية لأطراف الدعوى اضافة الى المس بالشعور العام لجمهور الشعب وما تنتجه من اثارا سلبية في غاية الخطورة في الانفس البشرية, فهي انفس متعددة ومتباينة في الاتجاهات وليس جميعها على قلب رجل واحد من الشعور بالمسؤولية تجاه اولويات الحياة وتعلقها بأمن الاسرة والامن الاجتماعي وحتى الامن العام للمجتمع .
ان كل جريمة شوهدت وقائعها تحمل الكثير من الاثارة للمشاعر وان كان ذلك بدرجات متفاوتة تبعا" لنوع الجريمة ومدى جسامتها , وفي العراق يمنع قانونا" منعا" باتا" عرض المحاكمات أو عملية التحقيق في الجرائم وهذا المنع هو قانوني وعرفي معا" وله من الفوائد ما يفوق الاضرار.
ومن الجدير بالذكر, ان عرض الجرائم ووقائعها كلا" او جزءا" هو امر ممنوع في امريكا واوربا وتخضع عمليات الافراج عن الاشرطة لإجراءات قانونية صعبة وليس من المسموح لوسائل الاعلام عرض كل محتوى صوري وفق رغباتها وانما الامر خاضع لإجراءات وشروط غاية في الصعوبة لان عرض الجريمة على عامة الناس يحمل جوانب سلبية كبيرة ربما لا تتوقف عند حد تعلم الناس الجريمة او الايحاء النفسي لهم بذلك او جرح المشاعر واستثارتها واصابة الفرد والمجتمع على السواء بالأمراض النفسية .
في المانيا تحديدا" قبل اكثر من شهر اقدمت امرأة المانية على جز عنق اطفالها الخمس وفر السادس منها واخبر السلطات هنالك بالجريمة المروعة ولم يتم نشر اي مقطع للجريمة ولم يشاهد احدا من الجمهور صورة الام الجانية تلك ..الا تتوفر كاميرات مراقبة في المانيا ؟؟ الا يتوفر لدى المحقق وضابط الشرطة الالماني جهاز موبايل ايضا" ليصور تلك الام الجانية اثناء تحقيقه معها ؟؟ من منكم شاهد ولو صور بسيطة مسربة للضحايا ؟؟ الجواب : لا احد والسبب هو لان السلطات الالمانية والقانون الالماني مثل بقية قوانين الدول عبر العالم ومنها القانون العراقي يمنع عرض هكذا صور ومشاهد لأنها تشكل جريمة مستقلة بحد ذاتها .لكن ما يحدث هنا في العراق هو ان لا احد يأبه بمثل هذه المحاذير, فالغالبية هنا تتشوق لمشاهدة العرض الممنوع وفي الغالب بعض الاشخاص داخل الاجهزة المختصة تعرض المحتوى ويتولى مخالفة القانون بنفسه في خطوة اقل ما يقال عنها بانها غير مسؤولة وغير مقدرة للنتائج السلبية ولا نعلم هل ان الاجهزة الامنية تلك تريد ان تقول للناس بأنها تمتلك كاميرات ذات جودة عليا واكثر تقنية من الكاميرات الالمانية ؟ ꜝꜝ ام انها سعيدة بتبجحها بشيء ما ؟ ꜝ هل القيام بالواجب القانوني والوظيفي يستدعي النشر والاذاعة ؟ ان الاستمرار بهذا النهج غير المقدر للمسؤولية والمخالف للقانون بالأصل سوف يؤدي الى الحاق اضرار بالغة بطبيعة الانسان العراقي ونفسيته وسوف تزداد الهوة والشقاق في جدار الثقة بالقانون من قبل افراد المجتمع . لذا يجب اصدار التعليمات المناسبة من قبل السلطات بالامتناع عن نشر وقائع الجرائم الا في الحدود المسموح بها قانونا وهو ما يؤكد عليه الدستور .
م. احمد حسين سلمان
قسم علوم القرآن والتربية الاسلامية