مقال بعنوان : أخلاق التاجر المسلم وصفاته
أخلاق التاجر المسلم وصفاته
لا شكَّ انَّ التجارةَ هي من أفضل الأعمال الدنيوية التي يعمل فيها الناس لتحصيل أرزاقهم وأرزاق مجتمعاتهم ، ومما يتميَّزُ به التاجر المسلم عن غيره تمسُّكُه بقِيم دينه وتوكُّلُه الدائم على ربه , ولذلك كان لا بدَّ لكل تاجر مسلم في هذا الزمان أن يتعرَّف على الأخلاق والمأمورات والمنهيَّات التي تتعلَّقُ بعمله؛ وذلك لانتشار المحرَّمات، وكثرةِ الشُّبهات، التي تعتري أكثرَ المعاملات، فتحرفُها عن الضوابط الشرعيَّة التي أمر الله تعالى بها, وأذكر هنا مجموعة من الصفات والأخلاق التي ينبغي على التاجر المسلم التحلي بها حتى يبارك الله له في تجارته ورزقه .
فمن تلك الصفات والأخلاق :
– ألاَّ تشغلَهُ تجارتُه عن ذكر الله تعالى، ولا عن الصلاةِ، ولا عن أداءِ حقِّ اللهِ تعالى كزكاة أمواله ، فقد أثنى الله تعالى على عباده المؤمنين الذين لا تشغلُهم تجارتُهم عن طاعته، فقال جل شأنه: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } سورة[ النور/ 37، 38].
– الصدق والأمانة وتقوى الله تعالى: ويظهر ذلك من خلال صدقه في وعودِه، ووفائه بها، وصدق قوله ووصفه سلعتِه، فالتاجرُ الصدوق الأمين يَحظَى بمكانة وفضل كبيرين عند ربه ، كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بقوله: ((التاجر الصدوق الأمين مع النبيِّين والصدِّيقين والشهداء)), وعن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا ) .
– أن يتحرى الحلال ، وألا يدخل على نفسه وأهل بيته ومن يعيل الحرام ، قال تعالى : { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [سورة النساء/29].
– أن يبتعد عن الشبهات: وذلك بأنْ يتحرَّى التاجرُ صحةَ معاملاته وموافقتها لشرع الله ، ويبتعد عما يشتبه فيه منها، فلا يسعى للبحث عن المخارج والرُّخَص والآراء الشاذَّة؛ ليصحِّحَ معاملة قام بها، أو ليبرِّرَ ربحًا جاء مِن تعاملٍ فيه شبهة حرام أو رِبًا، فقد أمرنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم بأنْ نبتعِدَ عن الشبهات، فقال صلى الله عليه وسلم: ((دَعْ ما يَريبُك إلى ما لا يَريبُك؛ فإن الصدق طمأنينة، وإن الكذب ريبة)). كما أخبر صلَّى الله عليه وسلم بأنَّ الذي يقع في الشبهات ويستخفُّ بشأنها يؤدي به ذلك للوقوع في الحرام قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الحلالَ بيِّن، وإن الحرام بيِّن، وبينهما مشتبهات، لا يَعلَمُهنَّ كثير من الناس، فمن اتَّقى الشبهات، استبرَأَ لدينه وعِرضه، ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام)).
-التيسيرُ وإسقاط بعض الديون عن المعسرين: فمن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه ولقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة لمن يتحلَّى بخلق السماحة والتيسير في اقتضاء حقِّه من الناس فقال صلى الله عليه وسلم: ((رَحِمَ الله رجلاً سَمْحًا إذا بَاعَ، وإذا اشترى، وإذا اقتضى)) وأخبرنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن تاجر من بني إسرائيل كان يتعاملُ مع الناس بالتيسير والسماحة، فكان جزاؤه من الله تعالى أنْ تجاوَزَ عنه، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ((كان تاجرٌ يداينُ الناسَ، فإذا رأى مُعسرًا، قال لفِتيانِهِ: (تجاوَزوا عنه؛ لعلَّ اللهَ أنْ يتجاوزَ عنَّا فتجاوزَ اللهُ عنهُ)).
– عدم الغفلة عن الصدقة؛ فعَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ قال : كان صلى الله عليه وسلم يقول 🙁 يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ، فَشُوبُوهُ بِالصَّدَقَةِ) .
– البعد عن المعاملات المحرمة والصفات الذميمة التي لا تليق بالمسلم تاجرًا كان أو عن غير تجارة، كالتعامل بالربا ، وبيع الغرر ، وبيع العِينة ، والتجارة بالمحرمات ، والغش والكذب والخداع ونحو ذلك .
– كما ينبغي أنْ يحرص التاجر المسلم على مكارم الأخلاق من إقالة النادم وإعانة المحتاج، وأنْ يُحبَّ لأخيه التاجرِ ما يحبُّ لنفسِهِ ، وأنْ يكثر الدعاءُ له ولإخوانه المسلمين أنْ يكفيهم اللهُ بحلاله عن حرامه ويغنيهم بفضله عمن سواه .
– كما ينبغي على التاجر المسلم أنْ يحرصَ على الإكثارِ من الصدقات، وعدم الاكتفاء بالفريضة, وذلك لأنَّ أكثرَ التجَّار يقعون أثناءَ تعاملِهم وتجارتهم في اللَّغْو والحَلِف الكاذب الذي يمحق البركة, والشبهات لاسيما في زماننا هذا، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((يا معشرَ التجَّارِ إنَّ البيعَ يحضرُهُ اللَّغْوَ والحلفَ، فشُوبوهُ بالصدقةِ)).
– أنْ يحسن التوكل على الله ، وأنْ يتعلق قلبه بربه مسبب الأسباب ورازق الخلق أجمعين .
– أنْ يبتعد عن الطمع والجشع والبخل والشح والتطفيف والاحتكار، وغير ذلك من مذام الصفات ، ويتصف بضدها من الأخلاق الحسنة الكريمة كالصدق وحسن التعامل وحب الخير للناس والكرم والجود وغير ذلك .
– يبتعد كذلك عن التجسس على التجار، وقصد الإضرار بالمنافسين ، والقول بأنه لا رحمة في التجارة : كل ذلك محرم لا يليق بالتاجر المسلم ، فالتجسس حرام وقصد إيقاع الضرر بالمسلم حرام ، ويجب على المسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، ويكره له ما يكره لنفسه , وقد صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : ( لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ), وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مِنْ الْخَيْرِ) ,فقال الحافظ ابن حجر العسقلاني "رحمه الله ":(قَالَ الْكَرْمَانِيّ : وَمِنْ الْإِيمَان أَيْضًا أَنْ يَبْغَض لِأَخِيهِ مَا يَبْغَض لِنَفْسِهِ مِنْ الشَّرّ ) كما لا يجوز إساءة الظن بالمسلمين ، فلا يقول التاجر عن أخيه التاجر : " إن لم أفعل به كذا فعل بي " ولكن يُحسنُ الظن بِهِ ، ولا يقابلُ السيئة بالسيئة، بل يعفو ويصفح ، كما كان خُلُقُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم .
وإنما تكون المنافسة شريفة مبنية على الصدق وعدم الغش والإخاء والمحبة والحرص على سلامة الصدور، وعدم الظلم ، وعدم أكل أموال الناس بالباطل والتبري من الشح والبخل والحرص المبني على الشره والطمع والجشع، وأنْ نتعامل في السوق على وفق قوانين العرض والطلب، ولا يحتكرُ سلعةً رغبةً في ارتفاع سعرها وكسب المغانم من وراءها، ولا يظلم أحدًا شيئًا .
والتاجر المسلم يتقي الله ، ويصدق مع الناس ، ويتحرى الأمانة ، ويحرص على جلب المنتجات النافعة الصالحة، ولا يجلب المنتجات التي تلحق الضرر والأذى بالناس التي انتهت صلاحية استعمالها , أو لم تخضع للرقابة أو المعايير الصحية, ويحرص على التحلي بمكارم الأخلاق, فهذا ونحوه هو الذي يجلب له الزبائن وينتفع به في تجارته، فيعرف في الأسواق بالتاجر الصديق الأمين، فيأتيه الناس من كل مكان، ويحبب الله تعالى فيه الخلق، ويكتب له القبول تاجرًا مسلمًا صادقًا أمينًا كريمًا حسن الخلق حسن العشرة ودودًا رحيمًا.
م.م. مقداد خليفة حسين
قسم الشريعة