الوسائل التي يجب أن يتبعها الأستاذ الجامعي لنشر الوسطية والاعتدال بين طلبة العلم
الوسائل التي يجب أن يتبعها الأستاذ الجامعي لنشر الوسطية والاعتدال بين طلبة العلم
الاستاذ قدوة يحتذى بها في الفكر والسلوك ومن الشروط الواجب توافرها في المدرس أو الأستاذ الجامعي الذي يريد من طلابه أن يكونوا مثالا للوسطية والاعتدال أن يكون تجسيداً حياً للوسطية والاعتدال في الفكر والسلوك ، فلا يمكن أن يطلب منهم شيئاً وهو لا يفعله ، فإنه واحد من أعظم الذنوب والأخطاء ، قال تعالى (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ )) .
فمخالفة العمل للقول من الأمور التي يمقتها الله ولا يحبها ، ولأن كل دعوى لا تتجسد بالعمل دعوى كاذبة لا يصدقها الناس ولا يستجيبون لها ، فعلى الأستاذ الجامعي أن يكون قدوة لطلابه ، في تجسيده للوسطية والاعتدال ، وعدم الغلو من خلال طروحاته وتصرفاته ، وأن يُري طلابه هذا الفعل بالصوت والصورة ؛ وأن يكون قدوة حسنة للجميع ، فذلك أدعى للاستجابة والطاعة من قبل طلابه .
لأن القدوة والمثال الحي والرمز دائماً ما يكون محط احترام وحب وتقدير وإعجاب من قبل الآخرين ، فالمحبة سبب للطاعة ، لأن الطاعة بلا محبة عبودية ، وعمل بلا روح ، فروح الطاعة المحبة . مما يدعو الطلاب الى تقليد ذلك الأستاذ الذي يرون فيه أنه قرُب من صفة الكمال البشري الذي يطمحون في الوصول اليه ، فيحاولون قدر استطاعتهم أن يقلدوه ويفعلوا بمثل فعله .
لأنهم ينظرون الى الأستاذ أو المعلم الجامعي نظرة خاصة ، ويراقبونهم مراقبة دقيقة جداً فيقلدونه في كل ما يفعله ويقوله ، كونه محلاً للاحتجاج في كل أمورهم العلمية والشخصية ، حتى أنهم يجعلونه في بعض الأحيان ميزاناً للخطأ والصواب ، فكلامه وتصرفه صحيح ، وكلام وتصرف غيره ، كالأبوين ـ إذا خالفوه ـ خطأ .
وكذلك أن أفهام الطلاب متفاوتة ومختلفة تبعاً لاختلاف العقول وتفاوتها ، فما يفهمه البعض قد لا يفهمه البعض الآخر ، فيكون تأثيره أقل عندهم ، ولكن الصورة والعمل لها تأثير أكبر ، فالكل متساوون في رؤية الصور بأعينهم المجردة وفهمها ومن ثم تطبيقها . فالصورة أكثر تأثيراً وتعبيراً وإيصالاً للمعلومة من مجرد الطلب بالكلام .
ومما يجسد هذا تجسيداً واضحاً ما فعله النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وفعله الصحابة (رضي الله عنه) من بعده ، فقد صح عن ابن عمر ( رضي الله عنهما ) قال : اتخذ النبي (صلى الله عليه وسلم) خاتما من ذهب ، فاتخذ الناس خواتيم من ذهب ، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) : ] إني اتخذت خاتما من ذهب [ . فنبذه ، وقال : ] إني لن ألبسه أبدا [ . فنبذ الناس خواتيمهم ].
فدل الحديث على أن فعل النبي (صلى الله عليه وسلم) بنبذ الخاتم جعلهم ينبذون خواتمهم ، ففعل النبي (صلى الله عليه وسلم) ذلك كان دعوة لهم بالفعل لنبذ الخواتم ؛ لأنه خلع خاتمه فخلعوا خواتمهم .
وكذلك تدل دلالة واضحة أن فعل الصحابة (رضي الله عنهم) جاء نتيجة رؤيتهم للنبي (صلى الله عليه وسلم) يفعل ذلك الأمر ، ففعلوه مسرعين تأسياً به واقتداءً بفعله ؛ لأنه الأسوة الحسنة والقدوة التي يقتدون بها ، فللقدوة أكبر الأثر في الطاعة والاستقامة والتمسك بحبل الله المتين ، وسلوك طريق الحق والصواب من قبل المقتدين .
ومن جانب آخر : فإن غلو الأستاذ والمعلم أو فساده أو انحرافه عن طريق الحق باعتباره قدوة يؤدي الى انحراف واعوجاج وفساد كل من اقتدوا به ، وتأثروا بأفكاره وسلوكياته ، فإذا صلُح صلحوا ، وإذا فسد فسدوا .
والمتتبع لسيرة وقصص الأنبياء والرسل يجد أن جميعهم ( عليهم السلام ) كانوا بحق نعم القدوة الحسنة ومثالاً يحتذى به لأقوامهم في دعوتهم الى الله (سبحانه وتعالى) ، وكان إيمان الكثير من أقوامهم بسبب تجسيد رسالتهم الربانية التي جاءوا بها من قبل الله (سبحانه وتعالى) بأقوالهم وأفعالهم وسلوكياتهم ، حيث طابق قولهم فعلهم . وتجسد هذا في قول نبي الله شعيب (عليه السلام) لقومه ، حيث قال : (( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ )) .
خلاصة القول إذا أراد الأستاذ الجامعي من طلابه أن يجسدوا منهج الوسطية والاعتدال في فكرهم وسلوكهم ، وأن يبتعدوا عن الغلو والانحراف والتشدد ، فعليه أن يكون قمة في الالتزام بالوسطية والاعتدال وحسن التصرف ، وأن تكون الحكمة واللين والخلق العظيم من أبرز الصفات التي يجسدها قولاً وعملاً ، ليكون مثالاً حياً للأفكار المعتدلة وقدوة حسنة في الابتعاد عن التطرف والغلو والانحراف الفكري والسلوكي .
أ.د خالد خليل ابراهيم
كلية العلوم الاسلامية /قسم علوم القران