التجليات القرآنية في السيرة السلوكية لآل البيت (عليهم السلام) آية {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} أنموذجًا
من غير شك ان المتأمل في قراءة سِيَر آل البيت (عليهم السلام) يجد أن حياتهم كانت بمثابة دستور كتبوه للأمة لتسير عليه، خوفاً عليها من الضياع في متاهات أودية الظلمات، والانحراف عن الأخلاق الكريمة، والفضائل النبيلة، والحقيقة الصادقة، فهم كانوا النموذج الأول في شرح التعاليم السماوية التي أرادها الله تعالى لهذه البشرية، ولم يتركوا شيئاً إلا وبينوه لنا، فلا عذر لأحد أن يجادل غداً في فعل شيء أو تركه، فالكل مسؤول؛ لأنهم (عليهم السلام) طبقوا عملياً ما أشارَ إليه القرآن الكريم من فضائل الأخلاق ومنها العفو في قول الله تعالى: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).
ومن هذا المنطلق نلحظ ان حياة اهل البيت (عليهم السلام) حفلت بالعفو والتسامح مع الجميع، ولا يقتصر الأمر على ذلك بل يتعدى الى الإحسان وفي هذا المقال نستذكر اروع الامثلة عن ذلك فأن جارية للإمام الكاظم (عليه السلام) جعلت تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة، فسقط الإبريق من يدها فشجه، فرفع رأسه فقالت: إن الله يقول (وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ) فقال لها قد كظمت غيظى، قالت (وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ) قال قد عفا الله عنك، قالت (وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) قال اذهبي فأنتِ حرة لوجه الله تعالى، فعلى اثر هذه الحادثة لم يعفُ الإمام (عليه السلام) عنها فحسب بل أحسن إليها وذلك بعتقها لوجه الله تعالى.
فمما مضى نستلهم ابرز الدروس والعبر عن العفو والذي يعد خطوة مهمة نسير بها على طريق السلام والاستقرار في المجتمع وهو صمام امان وعنصر أساس في تقوية اواصر المجتمع ليكون اكثر انسجامًا وتماسكًا، وإن اهم ما ينبغي ان نتعلمه من اهل البيت (عليهم السلام) هو العفو، والصفح الجميل، والهدوء الخالي من العصبية المذمومة، فمثلما يرجو العبد رحمة ربّه وعفوه فلا بدّ من أن يكون هو متسامحًا مع الآخرين؛ لينال رضاه وعفوه، فهو تعالى لن ينسى سكوت العبد عن الكلام، ولا عتبًا كتمه، ولا قهرًا لجمه، ولا ظلمًا احتسب الله به وصبر عليه، فيرى الله مجاهدة العبد في كظم غيظه، وعفوه عمّن اساء إليه، فلنحسن ننل ونظفر محبة الرحمن ولا يوفق لذلك الاّ مُوفق مُعان.
وبعد، فهذا غيض من فيض في الحديث عن العفو عند اهل البيت (عليهم السلام)، ومن الجدير بالذكر هذا الموضوع رحب، والحديث عنه واسع فضفاض، ولو اردنا التوسع فيه لما وسعتنا عشرات الصفحات، ولكن حسبنا أن ذكرنا في هذا المقال موقفًا للإمام الكاظم (عليه السلام) تجسدت فيه القيمة الاخلاقية والتربوية للعفو والإحسان.
