أربعينية الإمام الحسين (عليه السلام): بين الحزن المقدس ونهضة الوعي الإنساني
م. ايلاف علي عبدالكريم
المقدمة
ان أربعينية الإمام الحسين عليه السلام تمثل إحدى أبرز المحطات في الوجدان الإسلامي ، حيث يتجدد الحزن ويتعمق الوعي بثورة كربلاء التي لم تكن مجرد واقعة تاريخية، بل نهضة أخلاقية وإنسانية دافعت عن القيم العليا في وجه الظلم والاستبداد. وتأتي زيارة الأربعين في العشرين من صفر، بعد مرور أربعين يومًا على استشهاد الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه في واقعة الطف في كربلاء سنة 61 هـ، لتشكل تجمعًا روحيًا وإنسانيًا من أكبر التجمعات السلمية في العالم.
الجذور التاريخية لزيارة الأربعين
إن أول من زار قبر الحسين عليه السلام في الأربعين، بحسب العديد من المصادر، هو الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري، الذي جاء إلى كربلاء برفقة عطاء بن أبي رباح، وقد وقف عند القبر الشريف باكيًا متأملًا، مما جعل تلك الزيارة نواة لطقس شعائري متكرر امتد حتى يومنا هذا.
كما أن عودة رؤوس الشهداء مع السبايا إلى كربلاء في مثل هذا اليوم من قبل الإمام زين العابدين عليه السلام وبعض من بقي من أهل بيت الحسين، أعطت للزيارة بعدًا مأساويًا وروحيًا إضافيًا، وربطت الذكرى بإحياء المظلومية وتأكيد الرسالة التي استشهد الحسين عليه السلام من أجلها.
البعد العقائدي والروحي
ترتبط زيارة الأربعين بمبدأ “الإحياء”، وهو إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام، كما ورد في حديث الإمام الصادق عليه السلام: “أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا”. فالزيارة ليست مجرد طقس شعائري بل هي موقف عقائدي يتضمن الولاء للإمام الحسين عليه السلام، وتجديد العهد معه، واستحضار أهداف ثورته التي دعت للعدل والكرامة ورفض الذل والطغيان.
وتعد زيارة الأربعين من علامات المؤمن، كما جاء في الحديث الشريف: “علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين…”، ما يجعل منها ممارسة دينية تعبّر عن هوية الموالي وانتمائه.
المسيرة الأربعينية: ملحمة إنسانية معاصرة
في العصر الحديث، تحولت زيارة الأربعين إلى ظاهرة جماهيرية كونية، حيث يسير الملايين من الزوار من داخل العراق وخارجه على الأقدام نحو كربلاء، قاطعين مئات الكيلومترات، في مشهد إيماني فريد. هذا الحشد العالمي يعكس وحدة الشعوب رغم اختلاف الجنسيات واللغات، ويعبّر عن امتداد ثورة الحسين عبر العصور.
وتتجلى في هذه المسيرة قيم الكرم، والخدمة، والتكافل الاجتماعي ،حيث يعتبر السير على الاقدام رمز قوي يحمل معنى البيعة المتجددة للامام الحسين عليه السلام وثورته ،ومن ناحية تنتشر المواكب الحسينية لتقديم الطعام والشراب والمبيت مجانًا، في مظهر فريد من مظاهر الضيافة والتآزر، لا يوجد له مثيل في أي مناسبة دينية أو مدنية أخرى في العالم.
البعد السياسي والرسالي
تمثل الأربعينية أيضًا رسالة سياسية ضد الظلم والفساد، حيث يعيد الزائرون التذكير بأن ثورة كربلاء لم تكن مجرد معركة، بل احتجاجًا ضد الانحراف السياسي والعقائدي، ودعوة لإصلاح الأمة. فالمشي نحو الحسين هو إعلان ولاء للقيم التي استشهد من أجلها، وإحياءٌ لثقافة المقاومة، وتأكيدٌ على أن الحسين لا يزال حيًا في ضمير الأمة،وتعتبر الزيارة الاربعينية هي تجسيداً لروح التعاون والعمل المشترك وتقرب المذاهب وتنبذ الطائفية.
الخاتمة
ان أربعينية الإمام الحسين ليست مجرد ذكرى عابرة، بل هي شعلة متقدة من الإيمان والوعي والتجدد الروحي، تربط بين الماضي والحاضر، وتمنح الزائرين طاقة وجدانية هائلة. إن المسير نحو كربلاء هو مسير نحو الذات، نحو المبادئ، ونحو الله، حيث يتحول الحزن إلى طاقة للنهضة، والذكرى إلى مشروع حضاري مستمر في وجه الطغيان.
