سِفـــرُ الخْـــلُودْ
ان للمتأمل لاحداث الثورة الحسينية في كربلاء يدرك حقائق عميقة تتجاوز كثيرا مسائل السرد التاريخي و الروائي فهي ليست مجرد واقعة او حدث زمني مرَّ وانتهى كما تنتهي الاحداث المشهورة ، بل هي دروس انسانية وخضم روحي واخلاقي ومشاعل من نور تتقد عبر العصور، وصرخة حرية يتردد صداها في ضمير الإنسانية جمعاء. فما جرى في كربلاء يوم العاشر من محرم سنة 61 للهجرة لم يكن صراعًا على سلطة زائلة، بل كان درسًا خالدًا في التضحية من أجل المبادئ والقيم العليا. فلقد حوَّل الإمام الحسين (عليه السلام) المأساة إلى ملحمة، والخسارة الظاهرية إلى انتصار أبدي، فأصبحت ثورته منهاجا تتعلَّم منه الأجيال معنى الكرامة والحرية والإباء ، ولعل من أسرار خلود ثورة الامام الحسين (عليه السلام) جملة من القيم والثوابت منها:
- ان تضحيته تعد امتدادًا لرسالة جده النبي محمد (صلوات الله عليه وعلى اله وصحبه الطاهرين) فلم تكن ثورة الحسين (عليه السلام ) مجرد موقف سياسي عابر، بل كانت دفاعًا عن الإسلام المحمدي الأصيل الذي أريد له التشويه من قبل الحكم الاموي بعد الخلافة الراشدة ، فقدم دمه عليه السلام لإنقاذ الدين من التحريف والتزييف .
- كانت الواقعة تجسيدا للصراع بين الخير والشر، العدل والظلم، الحرية والاستبداد. وهذا الصراع لا يقتصر على زمان معلوم أو مكان محدد، بل هو قانون إلهي يستمر بوجود الظلم والاضطهاد إلى يوم القيامة.
- التضحية من أجل القيم، فلم يقتل الحسين وأصحابه ( رضوان الله عليهم )من أجل مكاسب الدنيا، بل من أجل ان تبقى كلمة (لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله) فكانت دمائه الطاهرة مدادا يكتب به سفر الخلود و تاريخ النضال ضد الظلم في كل عصر.
- لقد تجاوزت رسالة الامام الحسين (ع) الحدود الجغرافية والمذهبية، فأصبح رمزًا للحرية في العالم كلّه. فحينما يواجه أي شعب ظلمًا، يجد في واقعة كربلاء مصدر إلهام له ، لأن الحسين (عليه السلام) علم الاحرار أن الموت تحت اسنة السيوف أهون من العيش تحت نير الذل والخذلان.
- الأمل وعدم اليأس، فرغم قلَّة الناصر لم يستسلم الحسين (عليه السلام) لأن النصر الحقيقي هو نصر المبادئ، وليس نصر الاجسام والأجساد.
- ذكرى الواقعة و عطش الامام الحسين واصحابه اصبحت رمزا للظلم العالمي المعاصر لكل مظلوم يطلب الحق والعدل والحرية من فلسطين الى لبنان واليمن وفي اي مكان تنتهك فيه كرامة الانسان .
فالثورة الحسينية لدى الكثير ليست شعائرا تُحتًيا في كل عام ، بل هي منهج حياة، وناقوس يذكِرنا بأن الحق لا يموت، وأن دماء الشهداء هي بذور الحرية والحياة الكريمة. فما أحوج مجتمعاتنا الاسلامية اليوم إلى استلهام روح كربلاء في مواجهة التحديات والطغيان العالمي، لنكون جنودًا للحق والدين الحنيف، كما كان الحسين وأصحابه (ع) “كل يوم ظلم هو عاشوراء الحسين ، وكل أرض مغتصبة هي كربلاء الطف ” فهنيئًا لمن سار على درب الحسين ووقف مع الحق حتى في أحلك الظروف.
أ.د شفاء رشيد حسن / قسم الشريعة
