العبّاس… رمحُ الطفِّ الذي شقَّ العطشَ بالسيف
✍️:أ.د.حيدر أحمد الزبيدي
في تاريخِ الدموع، رجلٌ اسمه العبّاس لا يُذكرُ إلا وتنحني أمامهُ المفرداتُ، وتصمتُ البلاغة، وتغدو اللغةُ خجلى وهي تحاول أن تفيَ شيئًا من حقِّ راحتيه المقطوعتين.
هو العبّاس لا تُعرّفه المعاجم، بل تُعرِّفه الراياتُ التي لا تنكس، والدموعُ التي لا تجف، والمواقفُ التي لا تُنسى.
ما كان العباسُ جندياً في المعركة بل كان المعركةَ نفسها، وكان في كل ساحة أثرُ صهيله، وفي كل صيحة، صداه.
هو الرمح… والضربة… والراية… وذاك الشموخُ الذي لم ينحنِ، حتى وهو مُقطَّعُ اليدين.
هو القصيدةُ التي لم تُكتب بالحبر، بل نُقشت بالدم على صفحات الطف، وهو البيتُ الذي لا يخرج عن وزنه أحد؛ لأن وزنه وفاء وقافيته بطولة.
كان وحده جيشًا من النخوة، وموجًا من العزم، وريحًا لا تعرفُ الاتجاهَ إلا حيث يُزهَر الحقّ ويُذَلُّ الباطل.
لم يُقاتل ليُقال فارس، بل قاتل ليبقى الحسين، وليبقى الماءُ مغمورًا بذكر العطاشى.
يا ابنَ أمِّ البنين… كم تكسّرت فيك السيوفُ ولم تنكسر، وكم عطشَ الدمُ فيك وما شرب، وكم قُطعت يداك… لكنك ما زلتَ تمسكُ بالراية، لا بقبضتك، بل بروحك!
أيها القمرُ الذي لم يُطفئه الليلُ، بل أضاء ظلام الطفِّ بلمعانِ التضحية.
أيها الجبلُ الذي تهاوت عليه السيوفُ، فظنّت أنها أسقطته، وما درت أنها وقعت على صخرةٍ من المجد لا تنثني.
العبّاس… ليس اسمًا نُردّده، بل موقفٌ نتعلمه، ورايةٌ لا تسقط، ودرسٌ في أن تكون الكرامةُ أقوى من الماء، والوفاءُ أسبقَ من الارتواء.
