الحسين.. رمزٌ للتعايش والوحدة
م.م فريال عبد كريم
كلية العلوم الإسلامية
قسم العقيدة والفكر الاسلامي
في تاريخ الإنسانية، هناك شخصيات لا تظل حبيسة الماضي، بل تتحول إلى رموز خالدة، تتجاوز الزمان والمكان، وتُلهم الأجيال على مدار القرون. ومن أبرز هذه الشخصيات، الإمام الحسين بن علي (عليه السلام)، الذي لم يكن فقط حفيد النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل كان صوتًا حيًّا للحق والعدل والكرامة الإنسانية.
ورغم أن واقعة كربلاء ارتبطت بالمأساة والتضحية، فإن جوهرها الحقيقي يحمل في طياته رسالة أعمق تتجاوز الصراع السياسي والديني، لتُرسِّخ مفاهيم إنسانية سامية مثل التعايش والوحدة.
⸻
التعايش في فكر الحسين (عليه السلام)
الإمام الحسين لم يحمل سيفه إلا دفاعًا عن المبادئ والقيم، وليس ضد أشخاص أو طوائف. كان يعرف أن الاختلاف سنة كونية، وأن الناس لا يجتمعون على رأي واحد، لكنه كان يؤمن بأن الكرامة والحرية يجب أن تكون مكفولة للجميع، مهما اختلفوا في الدين أو الرأي أو الانتماء.
في كربلاء، لم يكن أنصاره كلهم من طائفة واحدة، بل كان بينهم المسيحي، والعربي، والفارسي، والتركماني، والشيعي، والسني. وكان جيشه الصغير مثالًا حيًّا لوحدة إنسانية قائمة على المبدأ لا على الهوية الطائفية.
⸻
الوحدة في مواقفه وسيرته
الإمام الحسين دعا إلى الوحدة لا بالكلام فقط، بل بالفعل. فقد رفض أن يبايع حاكمًا ظالمًا يُفرّق بين الناس، ويستغل السلطة لزرع الفرقة والخوف. وكان يدعو الأمة إلى الرجوع إلى المبادئ التي تجمعهم: العدل، الرحمة، احترام الإنسان، ونصرة المظلوم.
حتى في لحظة استشهاده، لم يلعن خصومه، بل دعا لهم بالهداية، وقال كلمته الخالدة: “إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي، فيا سيوف خذيني”. هذه الكلمات لم تكن دعوة للانتقام، بل للتضحية في سبيل أمةٍ متماسكة، لا تمزقها الأهواء.
⸻
الحسين اليوم: قدوة في عالم منقسم
في زمننا هذا، حيث تنتشر الطائفية والانقسامات، يعود الإمام الحسين كمنارة لكل من يسعى لتوحيد الصفوف ونبذ الكراهية. ذكراه لا تخص طائفة دون أخرى، بل هو إرث إنساني يمكن أن يُلهم المسلمين وغير المسلمين على حد سواء.
الحسين ليس رمزًا للحزن فقط، بل هو رمزٌ للنهضة، للوحدة، ولرفض الظلم بكل أشكاله. من يتأمل مواقفه يدرك أن التعايش لا يعني الذوبان، بل احترام الآخر، والعمل المشترك لما فيه الخير للجميع.
⸻
الخاتمة
إن سيرة الإمام الحسين هي مدرسة متكاملة في الإنسانية والتضحية والوحدة. ومن أراد أن يزرع السلام في الأرض، فليتعلم من الحسين كيف يواجه بالحب، ويقاوم بالكرامة، ويجمع الناس تحت راية المبادئ لا الطوائف.
فالحسين، رغم مرور أكثر من ألف عام على استشهاده، لا يزال حيًّا في الضمائر، لأنه اختار أن يكون صوت الوحدة في زمن الانقسام، ونبراس التعايش في زمن التعصب
