الإمامُ الحُسينُ عليهِ السَّلامُ ونُصرةُ الدينِ وبناءُ الوعيِ الإنسانيِّ
أ.م. صباح محمد حسين
يُعَدُّ الإمامُ الحسينُ بنُ عليٍّ عليهِ السَّلامِ من أبرزِ الشخصيّاتِ التي خلّدها التاريخُ الإسلاميّ، لا لمكانتِه النسبيّةِ وحدها، بوصفِه سبطَ النبيِّ الأعظمِ محمّدٍ صلّى اللهُ عليهِ وآله، بل لأنّه مثّلَ قِمّةَ الالتزامِ بالقيمِ الإلهيّة، والتجسيدَ العمليَّ للإصلاحِ الدينيِّ والاجتماعيّ في وجهِ الانحرافِ والفسادِ. عاشَ الإمامَ وترعرعَ في بيتِ النبوّةِ، وتلقّى القيمَ الرساليةَ من قلبِ الوحي، فكان وارثًا حقيقيًّا لمشروعِ الإصلاحِ والعدلِ، بعدَ استشهادِ الإمامِ عليٍّ عليهِ السلامِ، ومقتلِ الإمامِ الحسنِ ، بدأ التحوّلُ الخطيرُ في الخلافةِ الإسلاميّةِ، إذ انتقلتْ إلى الحكمِ الأمويّ بأسلوبِ الوراثةِ والغلبةِ، وتصدّرَ يزيدُ بنُ معاويةَ المشهدَ
عندها أدرك الإمامُ الحسينُ أنَّ بقاءَ الإسلامِ مهدَّدٌ في جوهرهِ، لا في مظاهره، وأنَّ السكوتَ يعني شرعنةَ الانحرافِ، فقرّرَ أن ينهضَ، لا من أجلِ سلطةٍ أو جاهٍ، بل طلبًا للإصلاحِ، كما بيّن في وصيتهِ لأخيهِ محمد بن الحنفيّة: «إنّي لم أخرجْ أشرًا ولا بطرًا، ولا ظالمًا ولا مفسدًا، وإنّما خرجتُ لطلبِ الإصلاحِ في أمةِ جدّي، أريدُ أن آمرَ بالمعروفِ وأنهى عن المنكر، وأسيرَ بسيرةِ جدّي وأبي» وكانت النتيجةُ أن توجّهَ إلى كربلاء، وهناكَ حُوصِرَ مع أهلِ بيتِهِ وأصحابِهِ، ومُنِعوا من الماءِ ثلاثةَ أيّام، حتى وقعتِ المذبحةُ الكبرى في العاشرِ من محرَّم سنة ٦١هـ، فاستُشهدَ الإمامُ الحسينُ عليهِ السلام، ومعه اثنان وسبعونَ شهيدًا من خِيَرَةِ أهلِ البيتِ والصحابة. ويقولُ الإمامُ زينُ العابدين عليه السلام، وهو يصفُ فاجعةَ كربلاء: «قُتِلَ أبي، وقتلَ أهلُ بيتهِ، ولم يبقَ منهم أحدٌ إلا صَريعًا، ثمّ سيّرونا كما تُسيَّرُ الأُسارى». ومن كربلاء انبعثَ الوعيُ من جديد، فقد صارتْ صرخةُ الحسينِ عليهِ السلام: «ألا من ناصرٍ ينصرُنا؟» صرخةَ التاريخِ كلّه، لا تبحثُ عن ناصرٍ بالسيف، بل عن ناصرٍ بالفهمِ والموقفِ والضمير، فثورتُهُ لم تكنْ مجرّدَ حدثٍ مأساويّ، بل كانت مشروعًا تربويًّا وإصلاحيًّا متكاملًا، يتجسّدُ في القيمِ التالية: الثباتُ على الحقِّ مهما قلّ الأنصار، ورفضُ الذلِّ وإن عظُمتِ التضحيات، وترسيخُ مفهومِ “الحاكميّة لله” لا للمتغلبين بالبطشِ والخداع. كما مثّلتِ الثورةُ الحسينيّةُ نداءً عالميًّا يتجاوزُ الزمانَ والمكان، ولذا قال المهاتما غاندي: “تعلّمتُ من الحسين كيف أكونُ مظلومًا فأنتصر”. فالحسينُ لم يكنْ شهيدَ كربلاء فحسب، بل شهيدَ القيمِ التي بها تُقامُ الأمم، وتُحفظُ الرسالات، وتُبنى المجتمعات. من هنا، تظلُّ واقعةُ عاشوراء لحظةً مفصليّةً في الوجدانِ الإسلاميّ، ومصدرَ إلهامٍ لكلِّ مَن يطلبُ الحرّيّةَ بكرامة، والإصلاحَ بوعي، والعدالةَ بثبات، ولهذا كان الإمامُ الحسينُ عليهِ السلام : مصباحَ الهُدى وسفينةَ النجاة.
