مقال بعنوان: رمضان شهر تغيير السلوك
رمضان فرصة ثمينة لتغيير بعض جوانب السلوك وتقويمها ،واصلاح النفوس وتهذيبها ، والاعتناء بجوانب التغيير في هذا الشهر الفضيل والحرص على الاستفادة من مدرسة الصوم لتحقيق التقوى التي يسمو فيها المسلم للرقي في سلم الرفعة الروحية والاخلاقية ، هي من اجل المقاصد التي شرع الصيام من اجلها .
مما تهتم به العلوم النفسية المختلفة موضوع تغيير السلوك، من عادات ونمط حياة، حيث قد تتأصل عند الإنسان بعض العادات وأنماط الحياة اليومية، والتي تصبح مع الوقت سجنا يكبل صاحبه، ويمنعه من ممارسة حياته بشكل طبيعي بعيداً عن هذه العادات والأنماط. فقد يعتاد الإنسان مثلا أن يأكل في ساعة معينة، وينام في ساعة محددة، ويشرب القهوة أو غيرها متى شاء، وربما علق ببعض السلوكيات السلبية التي أصبحت عنده “عادة” يعتقد بأنه لا يستطيع التخلي عنها أو تغييرها. ونحن نعلم أن الإنسان تتنازعه عادة قوتان متصارعتان، بين الإقدام والإحجام، وبين الفعل أو عدمه. فالإنسان يحتاج للحفاظ على سلامته لكلا هاتين القوتين، فالمواطن يفيده الفعل والإقدام، وأحيانا يفيده الامتناع والإحجام. وكم هو يحتاج دوما أن “يدرّب” كلا هاتين القوتين في داخله لأنه في حاجة لهما معا .
وقوة الإقدام قوية متأصلة بطبيعتها عند غالبية الناس، بل الإنسان مجبولٌ عليها من الرغبة والتمني والطمع والأخذ والاستعجال.. “خُلقَ الإنسانُ من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون” (الأنبياء 37)، أو قول الرسول الكريم ” لو كان لابن آدم واديانِ من مال لابتغى واديًا ثالثًا ولا يملَأُ جوف ابنِ آدم إِلا الترابُ ويتوبُ اللَهُ على مَن تَابَ” .
ولكي يستطيع آدم عليه السلام العيش في الأرض وإعمارها فإنه احتاج وزوجته حواء لتدريب عملي على تنميّة هذه القدرة عن الامتناع وضبط النفس، حيث أباح الله تعالى لهما الأكل من كل أشجار الجنة “وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رَغداً حيثٌ شئتما..”. ولكن وضع لهما ما يدربهما عن الامتناع فقال لهما “.. ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين” البقرة /35
فالإنسان دوما في حاجة لامتلاك القدرة على الامتناع وعدم الإقدام على عمل ما، بل إن الكثير من مآسي الأفراد والمجتمعات هي في فقدان أو ضعف هذه القوة من ضبط النفس ومسكها عما لا يريد الإنسان، حيث نجد الجشع والسرقة والاحتيال وإتيان المعاصي والمحرمات.. والانسياق وراء المغريات والمثيرات، وكأن الإنسان ليس لديه مكبح يلجم النفس ويمسكها ويمنعها، والله تعالى امتدح الإنسان الذي يملك زمام نفسه ووعده بالجنة لهذه الخصلة فقال تعالى “وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى” (النازعات 40-41).
ورمضان شهر عظيم في تدريب هذا الجانب المهم، والذي ربما هو الأضعف عند الإنسان، وهو جانب الامتناع والإحجام وعدم الرغبة وتراجع الطمع، فالمسلم الصائم يقوّي هذه القدرة النفسية عنده طوال هذا الشهر الفضيل، حيث يمنع نفسه وطوال ساعات النهار عن المفطرات المادية والمعنوية، رغم إغرائها، ورغم ميل النفس إليها، وهو طوال نهاره يذكـر نفسه بأنه صائم، وطوال شهر رمضان تنتصر الروح على الغريزة، والنفس على الجسد، والمعنوي على المادي، والإنساني على الحيواني، وبالتالي يكون الإنسان الكامل. فالإنسان الكامل في الإسلام ليس الذي يكبت غريزته بالكلية، فهذا غير ممكن، وليس من طبيعة الإنسان والأشياء، وإنما هو الذي يُمسك نفسه عندما يتوجب عليه إمساكها. ومن هنا نهتم ـ نحن التربويين في هذا الشهر الكريم لأنه فرصة طبيعة مناسبة يمارس فيها الإنسان، وكل المجتمع الصائم، هذا التدريب اليومي ولشهر كامل ـ بتنمية القدرة على قول “لا” وبالتالي احتمال النجاح في تغيير العادات وأنماط الحياة التي قد نكون اكتسبناها خلال العام. إننا نفعل هذا في رمضان، متطلعين إلى تلك الدرجة الرفيعة لمن يمتلك نفسه وصولاً بها إلى درجة “التقوى” في ضبط النفس. “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون” (البقرة-18 )
تقبل الله الصيام، وأعاننا على ضبط النفس، وتغيير السلوك والعادات.