مقال بعنوان: الصيام جُنة
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وجعلنا من أهله، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، أحمده سبحانه وأشكره وأسأله المزيد من فضله وكرمه وصلاة ربي وسلامه على نبي الرحمة سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وصحابته الغُرِّ الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد فهذا مقال نوضح فيه عن معنى الصيام جُنة وللعلماء كلام واراء متعددة في معنى (الجُنة)؛ فالمعنى الظاهري الذي لا أرى غيره: أن المراد بالجُنة الوقاية من النار؛ لأن الصوم طاعة لله، ومن ثمار الطاعة النجاة من النار؛ وفي الصيام خصوص معنى يجعله جُنة؛ أي وقاية من المعاصي ودخول النار. جاء في الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (الصيام جُنة؛ وإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله، أو شاتمه: فليقل: إني صائم، إني صائم). الصيام في الحقيقة نعمة من نعم الله وفضل من فضل الله على الصائم يتحرى فيه الخير، يتحرى فيه الأعمال الصالحة، ويصون جوارحه عما حرم الله ويكبح شهوته عما يحرم عليه في نهاره، فليستعن بصومه على طاعة الله ورسوله، وليحذر أن يجرح صومه بما يغضب الله عليه. وشهر رمضان هو سيد الشهور وأفضل الشهور، قال الله فيه جل وعلا: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185]. شهر تفتح فيه أبواب الجنات، وتغلق فيه أبواب جهنم، وتصفد فيه الشياطين، وينادي فيه منادٍ يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر. الصوم حقا هو أعظم مدرسة تربوية تزكي النفس وتطهّر القلب وتقوّم السلوك وتنمّي الفضائل وتنقي الرذائل، وكل ذلك وأكثر منه ينطوي تحت العبارة النبوية الشريفة الجامعة النيّرة ” الصوم جُنَّةٌ”. والجُنّةُ: السترة، وهو كل ما وقى من سلاح وغيره. ويقال: الصوم جنة: وقاية من الشهوات، والصوم حائل للعبد عن كل فساد، ووقاية له من كل قبيح ومطهر له من كل خبيث. والصوم نتاجه المراقبة والخوف من الله تعالى في قلب العبد ونفسه، والتحكم في عقله ونفسه وشهواته وكبح جماحها، نرى الصائم أجدر الناس بالإحسان بالفقراء والجياع لما يعرض له من الجوع في صيامه، وهو أجدر الناس بشكر نعمة الله تعالى عندما يفرح بفطره فيشرب على الظمأ ويطعم على الجوع، الصيام يربي العبد على ترك المحرمات لأنه إذا ترك شهواته من الحلال فهو أجدر أن يتوقى الحرام، والصيام أعظم ما يزود العبد من التقوى التي هي ثمرة العبادة وزبدتها. وصدق الحكيم الخبير إذ يقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21], فلما كانت التقوى ثمرة العباد فأعظم أسبابها الصيام كما قال تعالى: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كتب عَلَيْكُم الصّيام كَمَا كتب على الَّذين من قبلكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} الْبَقَرَة 183.