مقال بعنوان: (( نقاء السريرة ))
ان النفس والروح سر عظيم من اسرار الله ، ولقد خلق الله هذا الكيان البشري بشكل دقيق متناسق ، وجعل لكل خلية من هذا الكيان البشري مهما كانت صغيرة، جعل لها وظيفة ، وعلى هذا الاساس الدقيق في الصنع نشأت الكثير من الصفات والسمات التي اتسمت بها وحدات هذا الكيان وجوارحه .. ولكن مع انشغال المرء وتشعب الحياة ، وتقلب احوالها فقد اندثرت الكثير من هذه السمات ، واستبدلت بما هو متعب للنفس ومضر لها ، ولكن من لم يغفل عن علة نفسه وعما أصاب جوارحه من تبدل في سماتها واخلاقها اخذ يبحث في ثناياها ويعالج علتها ليعيد اليها بريقها ولمعانها ويجلي عنها غبارها ، وكان الطريق الى ذلك هو تذكر ما كان قد نسيه من هذه الاخلاق والسمات ومحاولة استعادتها فقد قال تعالى في سورة الشمس : ]وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [ ومن هذه الاخلاق والسمات نقاء السريرة . ان نقاء السريرة من الامور الواجب علينا تعويد النفس عليها كمسلمين ، ولكنه امر قد يكون صعبا على من ليس له خبره به او من لم يجربه يوما ، فقد يكون هناك من العقبات والمعوقات ما يجعل الامر اكثر صعوبة كأن يستمر الايذاء من شخص ما لشخص اخر دون اعتبار لكل الروابط الإسلامية الاجتماعية والخلقية ، ودون احساس بواجبه كمسلم ، لكن هنا يبرز دور الصبر على المكاره التي يجب ان يتحلى بها الثاني ليتحمل ايذاء الاول حتى يستطيع الثاني ان يُنقي سريرته تجاهه ،ومن ثم يخلي فكره من كل ما يدور به من هواجس الاحساس بظلمه وايذائه له.
من ناحيه اخرى فان نقاء السريرة- لو فكرنا به مليا – فقد نجد ما يسهل علينا تطبيقه كأن يفكر الشخص بالشكل التالي: لم اكره فلانا ولم يفعل ما يؤذيني به ؟ او لم احقد على فلان وانا لا اعرفه ؟ كل هذا وذاك امر اساسي ومبدئي للبداية بعمليه تنقية النفس من شوائب الحقد والبغض والأنانية التي قد لا يكون لها مبرر ان الكثير من الامور اذا ما اخُذت بالعواطف فقط واستحكم فيها الشخص الى قلبه فقط ، فان الحكم عليها لن يكون منصفا ابدا ، ولكن اذا ما تدخل العقل بالحجة والدليل وبالمعقول فانه سيغير كثير من الافكار والقرارات وبالتالي سيكون الحكم على الاخرين اكثر انصافا وعدلا واقرب الى الحق ، ولكن ومع هذا كله فان القلب الصالح كفيل بي اصلاح الجسد كله ، كما قال النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم (الا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، الا وهي القلب) . لكن هذا الامر( نقاء السريرة) – امر يحتاج الى اشراك العقل مع القلب – خاصة في وقتنا هذا – لتستتب الاحاسيس وتستقيم النفس في حكمها على من حولها ، وبالتالي فان البصيرة ستستنير، ويصدر من ذلك التصرف الصحيح تجاه الجميع .
الاستاذ الدكتور/ احمد نوري حسين