مقال بعنوان: رعاية المسنين في الشريعة الإسلامية
1. مصطلح المسن: المسن في لغة العرب: استخدم العرب كلمة (المُسِنّ) في عباراتهم للدلالة على الرجل الكبير، تقول:” أسَنَّ الرجل: كَبُر، وكبرت سِنُّة. يُسنُ إسناناً فهو مسن ” كما تستخدم العرب ألفاظاً مرادفة للمسن فتقول: (شيخ)، وهو ” من استبانت فيه السِّنُّ وظهر عليه الشيب” وبعضهم يطلقها على من جاوز الخمسين.
2. المسن في القرآن الكريم: وصف الله عز وجل مرحلة الكبر في القرآن الكريم بأنها عودة إلى أرذل العمر في قوله:﴿ واللهُ خَلَقَكُم ثمَّ يَتَوَفَّاكُم ومِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرذَلِ العُمُرِ لِكَي لا يَعلَمَ بَعدَ عِلمٍ شَيئاً إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾ [النحل: 70].
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي في تفسير الآية:” بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن من الناس من يموت قبل بلوغ أرذل العمر، ومنهم من يعمر حتى يرد إلى أرذل العمر. وأرذل العمر آخره الذي تفسد فيه الحواس، ويختل فيه النطق والفكر، وخص بالرذيلة لأنه حال لا رجاء بعدها لإصلاح ما فسد، بخلاف حال الطفولة، فإنها حالة ينتقل منها إلى القوة وإدراك الأشياء، وأوضح هذا المعنى في مواضع آخر كقوله في سورة الحج ﴿ وَمِنكُمْ مَّن يتوفى وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً ﴾ [الحج: 5]، وقوله في الروم: ﴿ الله الذي خَلَقَكُمْ مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً ﴾ [الروم: 54] الآية. وأشار إلى ذلك أيضاً بقوله: ﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ ﴾ [فاطر: 11]، وقوله في سورة المؤمن: ﴿ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخاً وَمِنكُمْ مَّن يتوفى مِن قَبْلُ ولتبلغوا أَجَلاً مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [غافر: 67].
وعن علي رضي الله عنه : أن أرذل العمر خمس وسبعون سنة وعن قتادة: تسعون سنة. والظاهر أنه لا تحديد له بالسنين وإنما هو باعتبار تفاوت حال الأشخاص فقد يكون ابن خمس وسبعين أضعف بدناً وعقلاً، وأشد خرفاً من آخر ابن تسعين سنة.
3. المسن في السنة النبوية: تعوّذ النبي عليه الصلاة والسلام من كبر السن وهو أرذل العمر حيث جاء عن أنس بن مالك: أن رسول الله كان يدعو:« أعوذ بالله من البخل والكسل، وأرذل العمر، وعذاب القبر، وفتنة الدجال، وفتنة المحيا والممات ».
4.رعاية المسنِّين في الإسلام: الإسلام دين قائم على الرحمة والمودة الإخاء وحب الخير للغير وقد حرص تمام الحرص على العناية بفئة المسنين مهما كانت درجة قرابتهم ومهما كانت جهتهم.
أ- تقوم رعاية المسنين في الإسلام على أسس هامة تنبع من ربانية المصدر ومن أهمها: 1- الإنسان مخلوق مكرم له مكانته في الإسلام: قال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴾ [الحجر: 28 – 30] .
2- المجتمع الإسلامي مجتمع متراحم محب للخير للغير: قال النبي صلى الله عليه وسلم “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” ، وقال: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعىله سائر الجسد بالسهر والحمى” ، فالمؤمنون متحدون يشد بعضهم بعضا فكل واحد منهم قوي بأخيه .وقد قال أنس بن مالك رضي الله عنه جاء شيخ يريد النبي –عليه الصلاة والسلام – فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له فقال : “ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا”.
ب-المسنون من الأقربين: قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا * وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء:23 – 27].
ج- الوالدان هما مفتاح الجنة للابن فببرهما يدخل الجنة وبخاصة من أدرك أبويه عند الكبر .قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ” رغم أنفه ثم رغم أنفه ثم رغم أنفه”. قيل من يا رسول الله قال « من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة ” . فالوالدان يحتاجان إلى الرعاية والحنان عند كبرهما وفي ذلك سعادة للابن في الدنيا والآخرة وقليل من الناس من يعمل بهذه الأمور لأننا اليوم نشاهد أشياء غريبة في مجتمعاتنا من حيث عدم البر بالوالدين وعقوقهم إلى درجة إيداعهم في دور العجزة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
د- المسنون من عامة المسلمين: حث النبي صلى الله عليه وسلم على إكرام المسنين ورغب في ذلك ومما ورد في ذلك: 1- إكرام المسنين من إجلال الله تعالى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط “.
2- توقير المسنين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا”.
3- تسليم الصغير على الكبير:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الصغير على الكبير والمار على القاعد والقليل على الكثير “.
4- تقديم المسن في وجوه الإكرام عامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “أمرني جبريل أن أقدم الأكابر “. فيقدم المسن عموما في كثير من أبواب الخير وحتى في إمامة المصلين إن كان أحفظ لكتاب الله تعالى فعن أبي قلابة قال حدثنا مالك: أتينا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده عشرين يوما وليلة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رفيقا فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا أو قد اشتقنا سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه قال: “ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم ” وذكر أشياء أحفظها أو لا أحفظها” ، وصلوا كما رأيتموني أصلي فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكبركم.
5- التخفيف عن المسنين في بعض الأحكام الشرعية الخاصة: فقد خفف الشرع عن المسن في الكفارات والفرائض والواجبات.. وفي الفرائض: أجاز للمسن أن يفطر في نهار رمضان -ويطعم- إذا شق عليه الصيام. وأن يصلي جالسًا إذا شق عليه القيام، وأن يصلي راقدًا إذا شق عليه الجلوس.. وهكذا.. ولقد عنّف الرسول صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل لما صلى بالناس فأطال ذات يوم وقال له : إنه يصلي وراءك الكبير والضعيف وذو الحاجة .
ورخص للمسن أن يحج عنه غيره إذا لم يستطع الذهاب هو بنفسه إلى الحج فعن ابن عباس عن الفضل أن امرأة من خثعم قالت يا رسول الله إن أبى شيخ كبير عليه فريضة الله في الحج وهو لا يستطيع أن يستوى على ظهر بعيره. فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- ” فحجى عنه “.
أ.د عبد الله الجنابي
أستاذ الفقه المقارن وأصوله في كلية العلوم الإسلامية / جامعة ديالى