مقال بعنوان : بين بغداد وقرطبة في القرن الثاني الهجري
لاشك عند الباحثين والدارسين ان بغداد كانت حاضرة الدنيا وزهرتها ، وقد تطورت العلوم فيها بشكل كبير تحديداً في مدينة بغداد في القرن الثاني الهجري ، وكانت مدينة قرطبة في الأندلس منافسة فعلى الرغم من التباعد المكاني إلا أن النهوض الفكري والتنافس المعرفي لايخفى على أحد وكذا التعاون العلمي بين العاصمتين كان حاضراً ومثبتاً في الكتب التاريخية .
كانت بغداد أهم مراكز العلم على تنوعه في العالم وملتقى للعلماء والدارسين لعدة قرون من الزمن. ، كما انها كانت أكبر مدينة في العالم لمُعظم فَترة العصر الذهبي الإسلامي، بِحَيث بلغَ عَدد سُكانها أكثر من مِليون نَسمة.
وتكمن أهمية موقع بغداد الجغرافي في توافر المياه وتناقص أخطار الفيضانات، ما أدى بدوره إلى اتساع رقعة المدينة وزيادة نفوذها إلى جانب سهولة اتصالها عبر نهر دجلة بواسطة الجسور التي تربطها عبر جوانب النهر، والذي يخترق مركزها لينصفه إلى جزْأَين هما الكرخ والرصافة.
تمتاز بغداد بأهميتها الثقافية التي تتمثل بوجود عدد كبير من الصروح المهمة كالمتاحف والمدارس التاريخية والمكتبات والمسارح. وتشتهر المدينة بآثارها الإسلامية التي تتمثل ببقايا أسوار مدينة بغداد، ودار الخلافة، والمدرسة المستنصرية. ولبغداد القديمة أسماء عدة كالمدينة المدورة والزوراء ودار السلام.
أما عن علمائها فقد كان في المدينة الكثير من العلماء في الفقه، واللغة، والأدب، والشعر ، والجغرافيا، والتاريخ، والحساب، والطب، والهندسة، بالإضافة إلى المهندسين المعماريين، والفنانين، والقضاة، والقادة في الجيش، والنحاتين وغيرهم. لا زالت الكثير من مؤلفات العلماء موجودة إلى اليوم، وكان لذلك العصر دور كبير في الحضارة الإسلاميّة والإنسانيّة،
أما قرطبة فقد اشتهرت أيام الحكم الإسلامي لإسبانيا، ولكن لم يعل شأنها إلا مع قدوم الأمير عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس فاراً من العباسيين، فاستولى على مقاليد الأمور في الأندلس الإسلامية وجعل قرطبة عاصمة له عام 756 م. وقد كان هذا بداية لعصر قرطبة الذهبي، حيث أصبحت عاصمة الأندلس الإسلامية بأكملها وأهم مدينة في شبه الجزيرة، وفي عهد الداخل بدأ العمل على جامع قرطبة الكبير الذي لا زال قائماً في المدينة اليوم. واستمر الحكم بيد سلالة عبد الرحمن الداخل في هذه الفترة.
لقد ذكرها الكثير من المؤرخين المسلمين والعرب في كتاباتهم ومنهم ياقوت الحموي، إذ كانت قرطبة في عهد عبد الرحمن الثالث الأموي عاصمة لدولة الأندلس، ويستضيء الماشي بسراجها من على بعد عشرة أميال، وبلغ عدد سكانها حوالي المليون نسمة بينما كانت أكبر مدينة في أوروبا لا يزيد سكانها عن ربع مليون نسمة، وكان عدد حماماتها العمومية ومرافقها وبيوتها حوالي 283000، وبلغ عدد قصورها ثمانون ألفا، وكان فيها مئة وسبعون امرأة كلهن يكتبن المصاحف بالخط الكوفي، وتحتوي المدينة على خمسين مستشفى، وفيها ستمئة مسجد ومن أهم مساجدها مسجد قرطبة، والذي لم يوجد له مثيل أو نظير في الفخامة والزخرفة وروعة البنيان.
أ.د. رعد طالب كريم
قسم علوم القرآن والتربية الاسلامية
