مقال بعنوان: (ثمرات الصبر على الابتلاء)
الصبر هو من أهم النعم التي أنعم الله بها علينا جميعًا لولا وجود الصبر لم يقدر الإنسان على التعايش مع المواقف الصعبة التي يمر بها، حيث أن الحياة لا تمشي على خطى مستقيمة فهي متعرجة ومعقدة. ولكن عندما يتحلى الإنسان بالصبر يستطيع تخطي كل هذه الصعوبات,والمحن والبلايا.
ومن أعظم المصائب التي يصاب بها المرء أن يفقد ولده فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما يعين على الصبر على هذه المصيبة العظيمة، حيث قال: (إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: فماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك، واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسموه: بيت الحمد )رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.. والبيت لابد له من ساكن فيا لها من بشارة ما أعظمها!.
يعود الصبر على صاحبه بالعديد من الثمرات والآثار المُتعلِّقة بالدنيا، والآخرة، ومنها: تخفيف أثر المصيبة، والتقليل من مَشقّتها على الإنسان. الفوز بالثواب الجزيل، والأجر العظيم في الآخرة، يقول -تعالى-: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ). تحصيل الطمأنينة في القلب، والرضا عن الحال. نَيل الحفظ والمَعيّة من الله، بالتأييد والنصر إن قُرِن بالتقوى، يقول -تعالى-: (وَاصبِروا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصّابِرينَ). طريقٌ إلى نيل مغفرة الله -تعالى- للذنوب، قال -تعالى-: (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ). عونٌ للعبد، وعدّة له في الاستعانة بالله -سبحانه-، قال -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ). رَبط الفلاح به، كما في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). الامورالمُعيناتٌ على الصبر كثيرة، وفيما يأتي بيان لبعضها: الإيمان بالله -تعالى-، وأنّ الأمر بيده؛ يُعطي ويمنع بمشيئته، والإيمان بالقضاء والقدر، واليقين بألّا مَفرّ من المُصاب بعد وقوعه، وأنّ السخط واليأس لا يفيد صاحبه، ولا يُعيد شيئاً ممّا فات، قال الله -تعالى-: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ). مطالعة سيرة الأنبياء والصحابة والصالحين الذين صبروا على الابتلاءات والمحن العظيمة، وتوطين النفس على الاقتداء بهم. الاستعانة بالذكر، وتلاوة القرآن، يقول -تعالى-: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ). معرفة حقيقة الحياة الدنيا، وأنّها ليست الحياة الأبديّة الخالدة، وذلك ما بيّنه الله -تعالى- في القرآن الكريم؛فقد خُلِق الإنسان في تعبٍ ومَشقّةٍ، كما أنّ حال الدنيا يتغيّر، ولا تبقى على حالٍ واحدٍ، قال -تعالى-: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ). الاستعانة بالله واللجوء إليه. التأنّي، وعدم العجلة في نَيل ثمرات الصبر. عدم اليأس أو القنوط من رحمة الله -سبحانه-، وفَرجه، والثقة بما أعدّه لعباده. نيل مَحبّة الله؛ إذ تُعَدّ من أهمّ الأمور التي تُعين العبد على التحلّي بالصبر، وكلّما ازدادت محبّة الله في القلب كلّما خضع لطاعة الله وعبادته، مع الحرص على إجلال الله، وتعظيم مكانته في القلب. الحرص على تثبيت الإيمان، وتقويته في القلب فبقوّة الإيمان تتحقّق قوة الصبر والتحمّل، وبضعفه يضعف الصبر في النفس. العلم بما أعدّه الله -سبحانه- للعبد الصابر من الثواب والجزاء الحسن، وتكفير السيّئات، والذنوب، والمعاصي. العلم بأنّ العبودية لله -تعالى- لا بُدّ فيها من الرضا بما قدّره وقضاه على عباده، وأنّ الابتلاء قُدِّر على العبد؛ ليُعلَم مدى صبره وتحمُّله، وليس لإهلاكه، أو القضاء عليه.
ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.
المدرس الدكتور محمد سعدون جاسم / قسم علوم القرآن