مقال بعنوان: ((مفهوم النظام العام بين القانون الوضعي والشريعة الاسلامية))
اولًا: تعريف النظام العام في القانون الوضعي:
يُعرف على أنه: أنّ مجموعة من القواعد، تستهدف تحقيق مصلحة عامة،سواءً كانت سياسية، أو اجتماعية، أو اقتصادية تتعلق بنظام المجتمع الأعلى وتعلو على مصلحة الأفراد، فيجب على جميع الأفراد مراعاة هذه المصلحة والعمل على تحقيقها، ولا يجوز لهم أن مخالفة ذلك باتفاقات فيما بينهم، حتى لو حققت لهم هذه الاتفاقات مصالح فردية ؛ لأنَّ المصالح الفردية لا تقوم أمام المصلحة العامة .
العناصر التقليدية للنظام العام.
تتمثل العناصر التقليدية للنظام العام في الأمن العام، والصحة العامة، والسكينة
العامة :
- 1- : الأمن العام.
يقصد به كل ما يطمئن الإنسان على ماله ونفسه مثل: وقوع الحوادث التي يسببها الإنسان كالسرقة والسطو، أو المترتبة على الأشياء ، كالمنازل الآيلة للسقوط أو الحريق.
- 2- : الصحة العامة.
يقصد بها: حماية المواطنين ضد الأخطار التي تصيب صحتهم مثل: الأوبئة وأخطار العدوى، والأخطار الناجمة عن غياب عام للصحة، ومن الواجب مكافحة الأمراض المعدية، وحماية البيئة من التلوث.
- 3- السكينة العامة.
يقصد به: المحافظة على الهدوء ومنع الضوضاء والجلبة داخل المناطق السكنية وفي الطرق العامة.
وتجدر الاشارة أنَّ هُناك تطور في الآراء والاتجاهات الفقهية والقضائية تذهب الى أنّ النظام العام يشمل بالإضافة الى تلك العناصر التقليدية عناصر جديدة وهي :الآداب العامة والنظام العام الاقتصادي، وجمال الرونق والرواء، وهي محل خلاف.
ثانيًا : مفهوم النظام العام في الشريعة الاسلامية
إن الغاية من الأحكام الشرعية هي المحافظة على كيان المجتمع وتحقيق مصالحه، وجلب النفع للناس، أو دفع المضار والاخطار عنهم، وأنّ حماية مصلحة المجتمع تتحقق من خلال الحفاظ على مقاصد الشرع والتي تتمثل في المحافظة على (الضروريات، والحاجيات، والتحسينات) ويُقصد بها:
- المصلحة الضرورية المعتد بها : هي التي لابد منها لقيام مصالح الدنيا والآخرة بحيث إذا فقد شيء منها، لم تجرِ مصالح الدنيا على النظام والاستقامة، وتعم الفوضى وينتشر الفساد وتضيع المصالح. ويرجع حفظ الضروريات إلى أمور خمسة هي) : الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال).
- المصلحة الحاجية.
وهي المصالح الّتي يحتاج إليها الناس للتيسيَّر، ورفع الحرج عنهم ولا يترتب على فقدانها خلل في نظام حياتهم كما في الضروريات، لكن يلحقهم الحرج والمشقة، ويعبر عنها بمبدأ رفع الحرج.
- المصلحة التحسينية أو الكمالية.
هي التي لا يفوت بفواتها مصلحة أصلية، ولا يترتب على تركها حرج أو مشقة، ولكنها كمالات ترجع إلى العمل بمكارم الأخلاق، ومحاسن العادات.
ثالثًا: مدى التطابق بين النظام العام وفقًا لقانون الوضعي والنظام العام في المفهوم الشرعي
يتبين من تعريف النظام العام الوضعي والنظام العام الشرعي اتفاقهما في السبب: من حيث أنهما يستهدفان نفس الغايات، و الحكم؛ لأنهما يقومان بنفس الوظائف، ويتضح ذلك من خلال الاتي:
الأولى: إ ن النظام العام يحافظ على النظام القانوني داخل الدولة فيكفل القواعد الأساسية في النظام
القانوني التي لا غنى عنها لتحقيق السلم، والتنظيم المتناسق في الشوارع والمجتمع والقانون.
الثانية: يستخدم أداة لحل التنازع، فإذا تعارضت مقتضيات مختلفة كانت الأولوية، لمقتضيات النظام العام، أي أداة لحل النزاعات بين قاعدتين قانونيتين أو أكثر.
الثالثة: أداة للمواءمة ، بين النظام القانوني وبين العوامل المتغيرة التي تنفع حياة المجتمع، وعليه فإن (فكرة المصلحة العامة، (النظام العام الشرعي: هي فكرة ضابطة تستغرق كل عناصر النظام العام الأساسية في المجتمعات مهما كانت تختلف نُظمها السياسية والاجتماعية،
أمّا مجمل ما يختلف فيه النظام العام الاسلامي عن النظام العام في القانون الوضعي، يتمثل في:
- سعة وشمولية ومرونة الأول وعدم إحاطة الثاني إحاطة كلية بتلك الصفات.وذلك من خلال
إنّ النظام العام الوضعي رغم تطوره ليشمل زيادة على حفظ الأمن، والصحة العامة، والسكينة العامة. عناصر أخرى كالنظام العام الأدبي والنظام العام الاقتصادي والمحافظة على جمال الرواء. فإن النظام العام الاسلامي أوسع مدى من ذلك فهو يحافظ على الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال. وبالتالي فهو أشمل.
- وإن كان مضمون النظام العام الوضعي يغطي بعض أغراض المحافظة على الدين والنفس والنسل والعقل والمال بقيود تتلاءم مع مادية العصر الحديث، إلا أن مضمونه لا يتسع لجلب المصالح ودرء المفاسد في الأمور السابقة كما أنه لا يتسع للمحافظة على الدين ورعايته في كثير من الأمور.
لذا: نرى أن هناك تقارب في المضمون بين المفهومين بشكلٍ عام مع اتساع المفهوم في الشريعة الاسلامية
م.م علاء كامل عبد
قسم الشريعة
