مقال بعنوان: طالب العلم واغتنام الوقت
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد: فان مما اجمع عليه العقلاء فضلاء عن العلماء، أن الوقت انفس ما عني الانسان بحفظه. بل عدَّ العلماء اضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأنَّ إضاعة الوقت تقطع الانسان عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعه عن الدنيا وأهلها. ولعظيم أهمية الوقت، أقسم الباري سبحانه بالعصر، وهو الدهر الذي هو محل الطاعات، والعبادات؛ ولذا حثنا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم على استغلال الوقت النافع من العلوم، وبالصالح من الاعمال، فقال صلى الله عليه وسلم: “ نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ”، رواه البخاري.
لقد عرف علماء الامة للوقت قيمته، فلم يفرطوا فيه، بل حرصوا على اغتنامه ايما حرص.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: “ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي، ولم يزدد فيه عملي”.
وقال الحسن البصري رحمه الله: “لقد أدركت أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشدَّ حرصًا منكم على أموالكم”.
وقد اختار بعض العلماء لنفسه القول بتحريم اضاعة الوقت، فهذا ابن عقيل الحنبلي رحمه الله يقول: “إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عُمري، حتى إذا تعطَّل لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعةٍ، أعملتُ فكري في حال راحتي، وأنا مستطرح، فلا أنهض إلاَّ وقد خطر لي ما أسطره. وإني لأجدُ من حرصي على العلم وأنا في عشر الثمانين أشد مما كنت أجدُه وأنا ابن عشرين سنة”.
وصدق الوزير الصالح يحيى بن هبيرة الحنبلي اذ يقول:
والوقتُ أنفسُ ما عُنِيتَ بحفظِه | وأراهُ أسهلَ ما عَلَيْكَ يَضيعُ! |
قال ابن جرير الطبريّ رحمه الله لأصحابه:
” أتنشطون لتفسير القرآن؟. قالوا: كم يكون قدره؟.
قال: ثلاثون ألفَ ورقة.
فقالوا: هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه!.
فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة، وأملاه في سبع سنين، من سنة ثلاث وثمـانين ومائتين إلى سنة تسعين مائتين.
ثم قال لهم: أتنشطون لتاريخ العالم من آدم إلى وقتنا هذا؟.
قالوا: كم قدره؟ .
فذكر نحواً مما ذكر في التفسير. فأجابوه بمثل ذلك!.
فقال: إنّا لله ! ماتت الهمم!.
فاختصره في نحوٍ مما اختصر التفسير.
ختاما ارجوا ان يكون في ذلك تذكير للمتكاسلين، وتنبيه للغافلين؛ فان العمر قصير، والحصيف من اغتنم الوقت ليسعد في الدارين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا.
أ.د علي جميل خلف
قسم الشريعة
