مقال بعنوان : “اللغة العربية ومكانتها بين اللغات”
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، نبينا محمد عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم ، وعلى آله وأصحابه أجمعين .
أما بعد…
إن للغة قيمة جوهرية كبرى في حياة كل أمة ، فإنها الأداة التي تحمل الأفكار ، وتنقل المفاهيم ، فتقیم بذلك روابط الاتصال بين أبناء الأمة الواحدة ، وبها يتم التقارب والتشابه والانسجام بينهم .
إن القوالب اللغوية التي توضع فيها الأفكار، والصور الكلامية التي تصاغ فيها المشاعر والعواطف لا تنفصل مطلقا عن مضمونها الفكري والعاطفي .
إن اللغة العربية هي الترسانة الثقافية التي تبني الأمة وتحمي كيانها ، يقول مصطفى صادق الرافعي: ((إنَّ اللغة مظهر من مظاهر التأريخ ، والتأريخ صفة الأمة ، كيفما قلّبت أمر اللغة ـــــ من حيث اتصالها بتأريخ الأمة واتصال الأمة بها ـــــ وجدتها الصفة الثابتة التي لا تزول إلا بزوال الجنسية وانسلاخ الأمة من تأريخها)) .
لقد حمل العرب الإسلام إلى العالم ، وحملوا معه لغة القرآن العربية واستعربت شعوب غرب آسيا وشمال إفريقيا بالإسلام ، فتركت لغاتها الأولى وآثرت لغة القرآن ، أي أن حبهم للإسلام هو الذي عربهم ، فهجروا دينا إلى دين ، وتركوا لغة إلى أخرى .
لقد غدت العربية لغة تحمل رسالة إنسانية بمفاهيمها وأفكارها ، واستطاعت أن تكون لغة حضارة إنسانية واسعة اشتركت فيها أمم شتى كان العرب نواتها الأساسية والموجهين لسفينتها ، اعتبروها جميعا لغة حضارتهم وثقافتهم ، فاستطاعت أن تكون لغة العلم والسياسة والتجارة والعمل والتشريع والفلسفة والمنطق والتصوف والأدب والفن ، واللغة من الأمة أساس وحدتها، ومرآة حضارتها، ولغة قرآنها الذي تبوأ الذروة فكان مظهر إعجاز لغتها القومية .
إنَّ القرآن بالنسبة إلى العرب جميعا كتاب لبست فيه لغتهم ثوب الإعجاز، وهو كتاب يشد إلى لغتهم مئات الملايين من أجناس وأقوام يقدسون لغة العرب ، ويفخرون بأن يكون لهم منها نصيب ، يقول الدكتور عبد الوهاب عزام: (( العربية لغة كاملة محببة عجيبة ، تكاد تصور ألفاظها مشاهد الطبيعة ، وتمثل كلماتها خطرات النفوس ، وتكاد تتجلى معانيها في أجراس الألفاظ ، كأنما كلماتها خطوات الضمير ونبضات القلوب ونبرات الحياة)) ، ويقول مصطفى صادق الرافعي: ((إنما القرآن جنسية لغوية تجمع أطراف النسبة إلى العربية ، فلا يزال أهله مستعربين به ، متميزين بهذه الجنسية حقيقة أو حكمة)) .
وأختم بالقول أنَّ لغة الضاد هي لغة أثبتت وجودها على مر الزمان ، وعبر القرون والحضارات المختلفة ، وذلك يعود إلى انفتاحها وتطورها المستمر ، فهي مصدر إلهام لعدد من الثقافات ، وهي شعاع من الأشعة الملهمة لذويها لبناء مستقبل بشكل أكثر تفرداً وتميزاً .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أ.م.د. بكر رحمن حميد الأرّكي
كلية العلوم الإسلامية
جامعة ديالى
