مقال بعنوان : التقوى أساس العلم
………………..
نزل بها جبريل u بأمر من الله I على صدر الرسول الأكرم محمد r ليملأ السموات والأرض ، ليقرر سنة ربانية : إن التقوى أساس وسبب لنيل العلم وتحصيله ، قال تعالى : } وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ { ( سورة البقرة ، الآية 182) . فهو وعد من الله I بأن من أتقاه علمه ، أي يجعل في قلبه نوراً يفهم به ما يلقى إليه من العلم ، وقد يجعل الله في قلبه ابتداء فرقاناً ، أي فيصلا يفصل به بين الحق والباطل ، قال تعالى : } يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ { ( الأنفال : 29 ) .
فكأنك أيها المسلم قبل التقوى لم يعلمك الله ، أما بعد التقوى فإن الله يعلمك . فتقوى الله تضمن لنا التعليم والهداية . فهي مبدأ إيماني يجب أن نأخذه في كل تكليف من الله . والتقوى هي أن نجعل بيننا وبين غضب الله وقاية ؛ لذلك نفعل ما أمرنا به ، ونترك ما نهانا عنه . فتجب طاعة الله في جميع أوامره ونواهيه ، حتى لا نقع في الفسق . وطاعة الله تقوم بتزكية القلب مما علق به من جهل وضلالة تمنع دخول العلم فيه ، فالجهل ظلمة ، والعلم نور، ولا يجتمع النور والظلمة في قلب الانسان . فلا بد من التزكية أولاً ثم يأتي التعليم ، قال تعالى : } وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ .. { ( سورة الجمعة ، الآية :2 ) . وإن معصية الله وارتكاب الذنوب تظلم القلب والعقل ، قال تعالى : } كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ { ( سورة المطففين ، الآية : 14 ). أي غطى على قلوبهم ما كانوا يكسبونه من الإثم والمعصية . والقلب الذي يمرد على المعصية ينطمس ويظلم ؛ ويرين عليه غطاء كثيف يحجب النور عنه ويحجبه عن النور ، ويفقده الحساسية شيئاً فشيئاً حتى يتلبد ويموت .
فقد روي عن النبي r قال : ] إن العبد إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه . فإن تاب منها صقل قلبه ، وإن زاد زادت [ ( رواه الترمذي ـ وقال : حسن صحيح [ .
ويروى : أن الامام الشافعي ( رحمه الله ) عندما جلس بين يدي مالك بن أنس ( رحمه الله ) وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته ، وتوقد ذكائه ، وكمال فهمه ، فقال : إني أرى الله قد ألقى على قلبك نوراً فلا تطفئه بظلمة المعصية .
وأختم كلامي ببيتين من الشعر للامام الشافعي حيث يقول :
شكوت الى وكيع سوء حفظي فأرشدني الى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يهدى لعاصي
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا أبي القاسم محمد ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وصحابته الغر الميامين ، وتابعيهم ومن اتبعهم بإحسان الى يوم الدين .
أ.د عماد أموري الزاهدي
قسم علوم القرآن والتربية الإسلامية