مقال بعنوان: الصدقة وأثرها في حياة الانسان
مقال بعنوان: الصدقة وأثرها في حياة الانسان
تُعرَّف الصدقة في اللغة بأنّها: ما يُبذَل تقرُّباً لله -تعالى-، وأصل تسميتها بهذا الاسم أنّ بَذلها يكون دلالة على صِدق نيّة مُعطيها، وهي تُطلَق بمعناها الشامل على الزكاة وصدقات التطوُّع، فيقال للزكاة صدقة، قال -تعالى-: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ}.
ويُقال لما يُبذَل تطوُّعاً صدقة.
أمّا معناها في الاصطلاح فهو: ما يُبذَل على وجه التقرُّب لله -تعالى- في الحياة دون عِوض أو مقابل بحيث تكون مُلكاً لآخذها، ويُطلق اسم (الصدقة) في الأصل والغالب على ما يُبذَل تطوُّعاً، أمّا ما يتوجّب بَذله فيُطلَق عليه مُسمّى (الزكاة)، وقد أُطلِق لفظ الصدقة أيضاً على كلّ ما يُبذَل من الهِبات بنيّة تحصيل ثواب الآخرة، ويُعرَف كلّ ما يبقى أثره وثوابه بعد الممات بالصدقة الجارية.وقد تكون الصدقة الجارية من قِبل الإنسان نفسه؛ حيث يبذلها في حياته ليبقى له أجرها بعد مماته، وقد تُبذل الصدقة الجارية من قِبل شخص آخر بنيّة إهداء ثوابها للميت، وأصل مشروعيّة الصدقة الجارية قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا ماتَ الإنسانُ انقَطعَ عنه عملُهُ إلَّا من ثلاثٍ: صَدقةٌ جاريةٌ، وعِلمٌ يُنتَفعُ بِهِ، وولدٌ صالحٌ يدعو لَهُ)).
وفي الإسلام الصدقة الجارية هي كل عمل يبقى نافعا للبشرية حتى بعد موت صاحبه، بمعنى آخر من ترك عملا نافعا للبشرية يبقى مأجورا عليه حتى بعد وفاته.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال : (( إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ : عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ )).
وقال الله تعالى:﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَحْزَنُونَ﴾.
وتكمن اهميتها في كونها تدَفع مِيتة السوء وهي الميتة التي تكون على معصية الله -تعالى-، وفي الحديث: ((إنَّ الصدقةَ لَتُطْفِئُ غضبَ الربّ، وتَدْفَعُ مِيتةَ السُّوءِ )).
وكذلك الوقاية من أهوال يوم القيامة قال تعالى : {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} إلى أن قال -تعالى-: {فَوَقَاهُمُ اللَّـهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا}.
ومنها تزكية النفس وتطهيرها من السيّئات قال تعالى : {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ}.
وللصدقة الجارية أهمّية في الحياة الدنيا من الناحية الصحّية، والنفسية، والاجتماعية، وذلك انشراح الصدر، وراحة القلب؛ فالمُتصدِّقون أوسع الناس صدراً، وأحسنهم خُلقاً.
وزيادة الرزق ونماؤه،وتحقيق التراحم بين الناس، وإشاعة روح التكافل الاجتماعي بينهم.
وحلّ مشكلة الفقر في المجتمع. سبب في جَلب مَحبّة الناس. دفع البلايا والشرور والمهالك عن المجتمع؛ فالصدقة تقي النفس من الشحّ الذي أهلك الأمم السابقة، وتقي الإنسان من الكَرب، وتدفع الأمراض والبلايا، وفي الحديث: ((داووا مرضاكم بالصدقة)). فضلاً عن تقوية الدين ونصرته.
وأفضل صور الصدقة هي سقاية الماء فهي من أفضل الصدقات عند الله؛ لما جاء في الحديث النبويّ عن سعد بن عبادة أنّه قال: ((يا رسولَ اللهِ ! إنَّ أمي ماتت، أفأتصدقُ عنها؟ قال: نعم، قلتُ: فأيُّ الصدقةِ أفضلُ؟ قال: سقْيُ الماءِ)، والعِبرة ليست في السُّقيا فقط، وإنّما في كلّ شيء يحتاج إليه الناس.
وأخيراً نذكر ما قاله الإمام الصادق ( عليه السلام ) :
((لا تتصدق على أعين الناس ليزكوك ، فإنك إن فعلت ذلك فقد استوفيت أجرك ، ولكن إذا أعطيت بيمينك فلا تطلع عليها شمالك ، فإن الذي تتصدق له سرا يجزيك علانية)) .
جعلنا وإياكم من المتصدقين إلى يوم الدين.
أ.م.د حيدر احمد حسين
قسم علوم القران والتربية الاسلامية