مقال بعنوان : من المفسرين الأعلام أبي الثناء الآلوسي رحمه الله
مقال بعنوان : من المفسرين الأعلام أبي الثناء الآلوسي رحمه الله
هو محمود شهاب الدين أبو الثناء الحسيني الآلوسي (1217-1270 هـ)،(1803 – 1854م). يرجع نسبه إلى مدينة آلوس وهي جزيرة في وسط نهر الفرات في محافظة الأنبار، حيث فر إليها جد هذه الأسرة من وجه هولاكو التتري عندما دهم بغداد فنسب إليها. ويرجع نسب عائلته إلى سبط النبي محمد فهي عائلة علوية النسب ، آلوسية الموطن ، بغدادية السكن .
مفسِّر ومحدِّث وفقيه وشاعر وخطّاط وأديب من المجددين، شيخ العلماء في العراق في عصره، ونادرة من النوادر التي جادت بها الأيام ، اشتغل بالتأليف والتدريس والإفتاء، وخلّف مكتبة زاخرة بالكتب القيمة أشهرها تفسيره الكبير “روح المعاني” الذي استغرق تأليفه 15 سنة. من علماء القرن الثالث عشر الهجري، يلقب بـ “أبو الثناء” وبـ”الآلوسي الكبير” تمييزاً له عن باقي العلماء الآلوسيين الذين انحدروا من هذه الأسرة التي اشتهر أهلها بالعلم.
وهو مجتهد أيضا، فقد تقلد الإفتاء ببلده عام 1248هـ، بموجب الفرمان السلطاني العثماني ثم عزل فانقطع للعلم. وتصدر للتدريس في مدرسة الحاج أمين جلبي في رأس القرية، وفي المدرسة العمرية المعروفة في جانب الكرخ الواقعة باتصال جامع قمرية وفي مدرسة الحاج نعمان الباجة جي في محلة عمّار سبع أبكار. تولى صدارة التدريس في المدرسة القادرية والمدرسة المرجانية وقد قصد إليه العلماء والفقهاء من سائر أقطار المعمورة،
وللشيخ محمود الآلوسي الأثر الكبير في إنعاش الحركة العلمية في بغداد في عصره، وسافر عام 1262هـ إلى الموصل وإسطنبول، ومر بماردين وسيواس فغاب 21 شهرا، وذهب إلى الباب العالي فأكرمه السلطان عبد المجيد. ثم عاد إلى بغداد يدون رحلاته ويكمل ما كان قد بدأ به من مصنفاته.
تلقى العلوم على شيوخ عصره، وكان شديد الحرص على التعلم ذكيا فطنا، لا يكاد ينسى شيئا سمعه، حتى صار إمام عصره بلا منازع. اشتغل بالتأليف والتدريس في سن مبكرة، فذاع صيته وكثر تلاميذه، تولى منصب الإفتاء وبقي فيه حتى سنة 1263هـ .
قام بعدة رحلات وزيارات علمية إلى الآستانة وغيرها امتدت إلى عدة سنوات. وقد خلَّف ثروة علمية كبيرة ونافعة، على رأسها تفسيره الشهير المسمى “روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني”، ويُعدُّ هذا التفسير موسوعة كبيرة جمع فيه الآلوسي خلاصة علم المتقدمين في التفسير.
جمع الآلوسي كثيرا من علوم المنقول والمعقول، وأحكم فهم علمي الفروع والأصول، وكان مع هذا وذاك مفسرا لكتاب الله لا يُبارى، ومحدّثا للسنة لا يُجارى.
اشتغل الآلوسي بالتأليف مدة طويلة من الزمن، فألف كتبا عديدة وخلَّف ثروة علمية كبيرة ونافعة وترك مكتبة غنية بالكتب القيمة والعظيمة الفائدة، في التفسير والفقه والمنطق والأدب واللغة نذكر منها: تفسير “روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني”، الذي استغرق تأليفه خمس عشرة سنة، ويُعدُّ هذا التفسير موسوعة كبيرة جمع فيه الآلوسي خلاصة علم المتقدمين في التفسير، هذا التفسير قد أفرغ فيه مؤلِّفه وسعه، وبذل جهده، حتى أخرجه للناس تفسيرا جامعا لآراء السلف رواية ودراية، ومشتملا على أقوال الخلف بكل أمانة وعناية، فهو تفسير جامع لخلاصة ما سبقه من التفاسير. لكنه لم يكن مجرَّد ناقل فحسب، بل كان يُنَصِّب من نفسه حَكَمًا عدلاً على كل ما ينقل، ويجعل من نفسه ناقدًا مدقِّقًا وممحصًا لكل رأي وقول، ثم يبدي رأيه حرا فيما ينقل.
ومن مؤلفاته أيضا : نشوة الشمول في السفر إلى إسلامبول وهو عن رحلته إلى الإستانة. نشوة المدام في العودة إلى دار السلام. غرائب الاغتراب. دقائق التفسير. حاشية قطر الندى. شرح سلم المنطق. الأجوبة العراقية. المقامات الآلوسية. وغيرها كثير من الرسائل والمؤلفات المخطوطة والمطبوعة.
وكان أبو الثناء ركنا من أركان النهضة الأدبية في إنتاجه وفي توجيهه فلم يكن فقيها فقط وانما أديبا أيضا قام بنفسه في تدوين كتب ومؤلفات أدبية خالصة وكان يعد في طليعة أدباء عصره من شعراء وكتاب وكان على علاقة جيدة بهم. إذ كان له مجلس أدبي حافل في محلة العاقولية من جانب الرصافة من بغداد يختلف اليه رواد العلم والمعرفة. كان لمجلس أبو الثناء وباقي المجالس الأدبية التي عرفتها بغداد وباقي مدن العراق دوراً مهماً وبالغاً في دفع الحياة الفكرية وإنضاجها، وعلى الرغم من المسحة الأدبية التي كانت تطغى على تلك المجالس، إلاّ أن روادها لم يكونوا بمعزل عن مناقشة المهم من الأمور المتعلقة بالأوضاع السياسية والاجتماعية. وعلى هذا فإن المجالس الأدبية مثلت وسيلة لها قيمتها البالغة في تحفيز المجتمع العراقي نحو الثقافة والعلوم.
لم يكن الإمام أبو الثناء الآلوسي فقيها مفسرا وأديبا فقط بل كان خطاطا ماهرا دوّن وخط معظم كتبه بخطه، وقد أخذ إجازة الخط من الخطاط “سفيان الوهبي” وهو أحد أشهر الخطاطين في بغداد، وفقا لما جاء في (البغداديون أخبارهم ومجالسهم) لإبراهيم عبد الغني الدروبي.
توفي أبو الثناء الآلوسي في بغداد في 5 ذو القعدة عام 1270هـ/29 تموز عام 1854م. ودفن في مقبرة الشيخ معروف الكرخي رحمه الله.
ا.د جبار عبد الوهاب سعود
قسم علوم القرآن والتربية الاسلامية