مقال بعنوان: معرفة طلبة العلوم الشرعية لأنواع الخلاف ضرورة شرعية وتربوية
مقال بعنوان: معرفة طلبة العلوم الشرعية لأنواع الخلاف ضرورة شرعية وتربوية
إن معرفة طالب العلم لأنواع الخلاف وتحرير محل النزاع ضرورة علمية وتربوية ، لإن الله تعالى أمرنا بالمعروف من القول فقال:{ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا}، ومن ذلك معرفة نوع المسألة المختلف فيها ، لأنه غالبا ما يكون الخلاف خلاف تنوع لا تضاد ، فنقول ومن الله التوفيق: الخلاف نوعان:
احدهما: الخلاف في أصل الدين وما كان معلوما بالضرورة انه من الدين كوجوب الصلوات الخمس وتحريم الزنا والخمر ، وهو مذموم إلا من رحمهم الله وهم أهل الإيمان وهو الذي قال الله عنه: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُم} ؛ اتفق على ذلك أهل العلم، فمن خالف التوحيد كان أهلاً لعذاب الله، وخرج من رحمة الله ، وسبب ذمهم وعقابهم أنهم لم يكونوا مجتهدين مخطئين ، بل كانوا قاصدين البغي عالمين بالحق معرضين عن القول وعن العمل به ، كما قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ }.
الثاني: الخلاف في الفروع والمسائل الاجتهادية، وهو رحمة إن لم يصاحبه بغي وعدوان ، فأول من اختلف فيه هم أصحاب خير البرية ، لذا يجب على طلبة العلوم الشرعية أن يعلموا بأن اختلاف التنوع لا يكون مذموما إلا إذا صاحبه بغي ، فينبغي أن يقاس على نوعي الخلاف حتى لا تختلط الأوراق. خلاف في أصل الملة وهو شر كله، وخلاف في المسائل الفرعية والاجتهادية وهو رحمة ، والناس في ذلك إما عادلون وأما ظالمون ، فالعادل فيهم الذي يعمل بما و صل إليه من آثار الأنبياء ، ولا يظلم غيره ولا يعتدي عليه بقول و لا فعل ، و الظالم الذي يعتدي على غيره و يذم من يخالفه مع أنه معذور.
والعداوة والبغضاء والتدابر والقطيعة في خلاف الفروع من محدثات الأمور الضالة التي نهى الله تعالى عنها بقوله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم} ، قال الشاطبي: فكل مسألة حدثت في الإسلام واختلف الناس فيها ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة علمنا أنها من مسائل الإسلام ، وكل مسألة حدثت وطرأت فأوجبت العداوة والبغضاء والتدابر والتنافر والتنابز والقطيعة علمنا أنها ليست من أمر الدين في شيء ، والإسلام يدعو إلى الألفة والتحاب والتراحم والتعاطف فكل رأي أدى إلى خلاف ذلك فخارج عن الدين.
وأكثر الاختلاف الذي يؤول إلى الأهواء بين الأمة وإلى سفك الدماء واستباحة الأموال والعداوة والبغضاء هو من اختلاف الفروع.
أ. د وليد هاشم كردي
قسم العقيدة والفكر الاسلامي