مقال بعنوان : لا ضرر ولا ضرار في الاسلام
مقال بعنوان : لا ضرر ولا ضرار في الاسلام
هذا الحديث " لا ضرر ولا ضِرار " هو قاعدة عظيمة عند أهل العِلم ، مع قصر ألفاظه واختصار كلماته إلا أنه يشتمل على قواعد وليس على قاعدة واحدة .
ومعنى " لا ضرر ولا ضِرار " أن الإنسان لا يجوز له أن يضرّ بنفسه ولا بغيره .
ومن هنا يتبيّن خطأ من يقع في الموبقات والمهلِكات ، أو يتعاطى السموم كالتدخين ، ثم يقول : أنا حُـرّ !، هو في الحقيقة ليس حُـرّاً ، فهو مُخطئ من جهتين :
الأولى : أنه يظن أنه حُـرّ ، وهو عبدٌ لا ينفكّ عن العبودية ، سواء أكانت عبودية لله أم لشهوته .
الثانية : أنه أضـرّ بنفسه ، وأضرّ بصحّته ، بل في الغالب يضرّ نفسه ويضرّ غيره .
فالمدخِّن مثلا يضرّ نفسه ويضرّ غيره ، فيما يُعرف بالتدخين السلبي .
ويضر أطفاله ، سواء أكان في أثناء الحمل أم من الاستنشاق .
ومن هذا الباب فإن العلماء يَحكمُون بالتفريق بين المريض وزوجته إذا كان مرضاً خبيثاً مُنتشراً .
ومن هذا الباب أيضا الحجر الصحِّي الذي سَبَق إليه الإسلام ، فقد قال عليه الصلاة والسلام : ((إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها )). رواه البخاري ومسلم .
وكذلك الإضرار بالزوجة جاء النهي عنه ، فمن ذلك أن يُؤذي الزوج زوجته لكي تفتدي منه ، وتردّ إليه ما أعطاها من مهر .
وقد قال عليه الصلاة والسلام في هذا الباب : ((إن أعظم الذنوب عند الله رجل تزوج امرأة فلما قضى حاجته منها طلّقها وذهب بمهرها ، ورجل استعمل رجلا فذهب بأجرته ، وآخر يقتل دابة عبثاً)) . رواه الحاكم هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه . ورواه البيهقي .
وتتعدد صور الإضرار ، ويُنهى عنه .
أما الفعل المأمور بالطاعة او الترك فهو بالتفصيل فـ :
1- إذا كان هذا الفعل طاعة ، فلا يُلتفت إلى هذا الاحتمال .وإذا كان أمراً دنيوياً فكثير من الأحوال والأفعال يتطرّق إليها الاحتمال ، فركوب السيارة مُتطرّق إليه احتمال وقوع الخطر .وكذلك ركوب الطائرة .وكذلك استعمال الكهرباء ، واستعمال الغاز ، وغير ذلك .
فالاحتمال وارد ، إلا أن التوكّل يُذهب هذا ، وربما قضى عليه .
وهناك فرق بين الاحتمال وبين غَلَبة الظنّ .
فإن غَلَب على الإنسان أن هذا الفعل فيه ضرر وخطر فإنه يتركه ، وإن كان مُجرّد احتمال فلا يتركه .
وليس صحيحا أن ما تطرّق إليه الاحتمال سَقط به الاستدلال !
2- يُقال في الدراجات الهوائية والنارية مثل ما سبق ، إن كان مُجرّد احتمال فلا يُلتفت إليه ، وإن غَلَب على الظن فإنه يُترك .
وأضرب لذلك مثلاً :
ركوب الدراجات النارية ( الدبّاب ) في أيام المطر أو في وجود الثلج أكثر خطراً ، بل قد يغلب على الظن الخطر ، فيُمنع منه . وركوبه في الأيام العاديّة مُحتمل ، ولا يغلب على الظن ، فلا حرج .
3- إذا كان هذا المكان لأداء طاعة ، كأداء الحج ، فلا طاعة للوالدين في تركه إذا تعيّن ، وكذلك بالنسبة للجهاد ، فإن الخطر في ساحات الجهاد ربما كان غالباً على الظن ، ومع ذلك إذا تعيّن فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالِق . ولذا قال الحسن البصري : إن منعته أمُّـه عن العشاء في الجماعة شفقة لم يطعها .
فلو فُرِض أن في ذهابه لصلاة العشاء احتمال ضرر ، فلا يُلتفت إلى هذا الاحتمال ولا يُطيع أمّـه في ترك الطاعة .
أما إذا كان السفر لنيل نافلة مِن عِلم ، أو لتجارة وأمراه بترك ذلك فإن طاعتهما خير له .
قال الحسن بن سفيان : فاتني يحيى بن يحيى التميمي بالوالدة لم تدعني أخرج إليه فعوّضني الله بأبي خالد الفراء ، وكان أسند من يحيى بن يحيى .
أي أن الله عوّضه خيراً مما ترك حينما أطاع أمّـه في عدم الخروج لنيل نافلة من العلم .
أما إذا أمرا ابنهما فيما فيه احتمال ضرر أو خطر فإنه يُطيعهما ، بِخلاف ما إذا كان فيه غلبة ظن في وقوع الضرر أو الخطر . ولا أظن أن والداً يأمر ابنه بذلك ، فضلا عن الأم .
أ.د.ياسر صائب خورشيد
قسم علوم القران والتربية الإسلامية