مقال بعنوان: كل معروف صدقة
كل معروف صدقة
عَنْ جابرِ (رَضْيَ الله عَنْهُ) قَالَ: قَالَ رسولُ الله (صلَّى الله عليه وسلَّم): «كُلُّ مَعْروفٍ صَدَقَةٌ».
والمعروف: ما عُرِف في الشرع حسنُه إن كان مما يتعبَّدُ به لله، وإن كان مما يتعامل به الناسُ فهو مما تعارف الناس على حُسْنِه، وقد شمل هذا الحديث كلا المعنيين، فكل عمل تتعبد به إلى الله فإنه صدقة، كما ورد في حديثٍ آخر: (كلُّ تسبيحةٍ صدقةٌ، وكلُّ تهليلةٍ صدقةٌ، وكلُّ تحميدةٍ صدقةٌ، وأمرٌ بالمعروفِ صدقةٌ، ونهيٌ عن المنكرِ صدقةٌ).
وأمَّا ما يتعارف الناس على حسنِه مما يتعلق بالمعاملة بين الناس فهو معروف، مثل الإحسان إلى الخلق بالمال، أو بالجاه، أو بغير ذلك من أنواع الإحسان.
فالمعروف يكون بالقول والعمل، فالقول: طيب الكلام وحسن البشر، والتودد بجميل القول، والباعث عليه حسن الخلق ورقة الطبع، والعمل: بذل الجاه، والإسعاف بالنفس، والمعونة في النائبة، والباعث عليه حب الخير للناس وإيثار الصلاح لهم، وهذه الأمور تعود بنفعين نفع على فاعلها في اكتساب الأجر وجميل الذكر، ونفع على المعان بها في التخفيف والمساعدة فلذلك سماه هنا صدقة.
ومن ذلك: أن تلقى أخاك بوجهٍ طلقٍ لا بوجه عبوسٍ، وأن تلين له القول، وأن تدخل عليه السرور، ولهذا قال العلماء (رحمهم الله): إن من الخير إذا عاد الإنسان مريضًا، أن يدخل عليه السرور ويقول: أنت في عافية، وإن كان الأمر على خلاف ما قال، بأن كان مرضه شديدًا، يقول ذلك ناويًا أنه في عافية أحسن ممن هو دونه، لأن إدخال السرور على المريض سبب للشفاء.
ولهذا تجد أن الإنسان إذا كان مريضًا مرضًا عاديًّا صغيرًا، إذا قال له الإنسان إن هذا شيء يسير هين لا يضر سُرَّ بذلك ونسى المرض، ونسيان المرض سبب لشفائه، وكون الإنسان يعلق قلبه بالمرض فذلك سبب لبقائه.
وأضرب لكم مثلًا لذلك برجل فيه جُرح، فاذا تلهى بحاجة أخرى فانه لا يحس بألم الجرح، لكن إذا تفرغ تذكر هذا الجرح وآلمه.
إذن فغفلة المريض عن المرض، وإدخال السرور عليه، وتأميله بأن الله (عزَّ وجلَّ) سيشفيه، يكون هذا خير ينسيه المرض، وربما كان سببًا للشفاء.
إذن كل معروف صدقة، لو أن أحدًا إلى جنبك ورأيته محترًا يتصبب العرق من جنبيه، فروَّحت عليه بالمروحة، فإنه لك صدقة، لأنه معروف، ولو قابلت الضيوف بالانبساط وتعجيل الضيافة لهم وما أشبه ذلك فهذا صدقة.
انظر إلى إبراهيم (عليه والسلام) لما جاءته الملائكة ضيوفًا ماذا فعل؟
قالوا: سلامًا. قال: سلام. قال العلماء: وقول إبراهيم (سلامٌ) أبلغ من قول الملائكة (سلامًا)، لأن قول الملائكة سلامًا يعني نسلم سلامًا، وهو جملة فعلية تدل على التجدد والحدوث، وقول إبراهيم: (سلامٌ) جملة اسمية تدل على الثبوت والاستمرار فهو أبلغ.
وماذا صنع عليه السلام؟
راغ إلى أهله فجاء بعجل سمين.
فقد ضرب المثل في حسن الضيافة، وحسن الضيافة من المعروف، وكل معروف صدقة.
وهذا من يسر الشريعة واستيعابها للناس كافة، ففعل المعروف وتحصيل الثواب لا يختص بأهل اليسار بل كل مسلم قادر على أن يفعل أنواعًا من المعروف، من ذكر وتسبيح ودعاء، ونصيحة، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، وإرشاد ضال، ومواساة محزون إلى غير ذلك من صنوف المعروف.
وعلى المسلم أن يجتهد في فعل المعروف مما يستطيعه ولا يشق عليه، فبفعل المعروف يطيب عيشه، وتطمئن نفسه، وتتوثق صلته بمن حوله، مع ما له من الأجر الجزيل والثواب العظيم.
فاصنع للناس خيرًا ومعروفًا، واعلم أن هذه صدقة تثاب عليها ثواب الصدقة.
م.م.احمد محمد صبر
قسم علوم القران والتربية الاسلامية