مقال بعنوان: طائر الهدهد بين العقيدة والتكليف
طائر الهدهد بين العقيدة والتكليف
تتجلى آيات الله سبحانه وتعالى في مخلوقاته التي سخرها للإنسان؛ لتلبي حاجاته ومتطلباته ولتكون له عوناً ونصيراً على أعداءه، فلو تأملنا اهتمام القرآن الكريم بالطيور وتطرقنا تحديداً إلى قصة الهدهد مع نبي الله سليمان عليه السلام, لرأينا إعجازاً واضحاً وجلياً تسطره هذه القصة الفريدة من نوعها من عدة نواح ، ولعل من أهمها الجانب العقدي فيها، ولاسيما اذا علمنا ان القصة ذكرت في سورة النمل وهي من السور المكية، وكما هو معلوم ان السور المكية كلها جاءت تعالج قضية العقيدة الصحيحة وترسيخ قواعدها ومبادئها في أوضح صورة.
ومن الاساليب التي تناولها القرآن الكريم في عرض العقيدة هو القصص القرآني ؛ لما لها من أثر بالغ في النفوس وأقدرها على كشف جوانب خفية وعميقة في حياة الناس ؛ للعضة وتثبيت الايمان في قلوب المؤمنين، والاعتبار بما حدث للأمم السابقة وايصال الفكرة في أوجز عبارة وأبها صورة.
ومن هذه القصص قصة الطائر الذي أخذ على عاتقه أعباء الدعوة وقادته غيرته على دين الله الى تجشم الصعاب والتعرض للعقاب، قال تعالى: {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ * لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ * أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * اذْهَب بِّكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ} (النمل: 20 ـ 28).
اذن هل كان الهدهد مكلفا بالدعوة الى دين الله تعالى ؟:
الجواب لم يكن الهدهد مكلفا؛ لانه حيوان غير عاقل، بمعنى أنه لا يملك شروط التكليف مثل الانسان، لذلك يتبادر الى الذهن هذا السؤال: اذا كيف عرف ان اهل سبأ كفار لا يعبدون الله وانهم عاكفون على عبادة الشمس من دون الله تعالى؟
الجواب: ان الهدهد وغيره من الحيوانات مفطورة على التوحيد وتسبح الله كل بلسانه
أي ان هذه الحيوانات قد آتاها الله تعالى ادراكا وإلهاما مخصوصا بحسب كل نوع وجنس منها به تدرك فطرة التوحيد غير أنها غير مكلفة، ولكن الذي دفعه الى هذه الرحلة وتحمل مشاقها وعواقب عصيانه لنبي الله سليمان عليه السلام هو غيرته على دين الله تعالى وأنه جندي من جنود نبي الله تعالى.
تكمن العبرة من قصة طائر الهدهد فيما يخص العقيدة من عدة جوانب:
إنَّ الايمان الراسخ بالله تعالى يولد الثقة بالنفس والشجاعة الكاملة التي تدفع بالمؤمن الى الدفاع عن الدين بكل ما يملك.
إنَّ الايمان الراسخ بالله تعالى يحتم على المؤمن تحمل أعباء الدعوة الى دين الله تعالى بكل الوسائل التي تناسب المدعوين.
إنَّ الايمان الراسخ بالله تعالى سبب للفتح والنصر.
م.د.محمد محمود داود
قسم العقيدة والفكر الاسلامي