مقال بعنوان: الاعتذار وآدابه
الأعتذار وآدابه
من منا لايخطئ في حقه نفسه أو في حق الأخرين ،سواء أكان الخطأ بالقول أم الفعل ،فبني البشر جميعا سوى الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه ،مجبولون على الخطأ ، مصداقا لقول نبينا صلى الله عليه وسلم :(كل أبن أدم خطاء وخير الخطائين التوابون).
ويدل قول نبينا صلى الله عليه وسلم ،بأننا وان اخطأنا بقول أو فعل لكننا نعتذر الى الله تعالى بتوبتنا ؛لننال الخيرية .
فالخطأ مع الله من أعظم الاخطاء ،واعتذارنا بالتوبة والاستغفار الى الله تعالى من اعلى مراتب الاعتذار ، فالتوبة ندم واسف على اخطاء ارتكبناها .
والاعتذار ليس ضعفا في شخصية المعتذر مثل ظن البعض ، بل هو قوة في شخصية المعتذر ؛ كونه قد تخلص من هوى نفسه الامارة بالسوء والتي تدعوه للاستكبار والكبر التي هي من صفات الشيطان، والتي ذمها الخالق جل وعلا في كتابه الكريم .
ولابد ان يكون الاعتذار صادقا (نية صادقة )، ليس كلمة تقال في زحمة الكلام وتبرير الاخطاء .
فالاعتذار يعني الاقتناع التام بان هناك خطأ ينبغي تصحيحه ، وكوننا نعتذر عن الاخطاء لايعني اننا سيئون ،بل يعني اننا نبحث عن الخيرية والقيم المثلى التي هي من ديننا العظيم . ويعني ايماننا انا بشر غير معصوم عن الخطأ سوى انبياء الله تعالى .
والمعتذر قد حاز على فضيلتين ، اولهما : ان الاعتراف بالخطأ فضيلة .
وثانيهما: الاعتذار عن الخطأ فضيلة أخرى .
هذه الفضائل تعزز العلاقة بين بني البشر وتزيد من الالفة والمحبة بينهم ، وتمنعنا ان نخسر من نحب .
الاعتذار ليس دليل ضعف أو فشل؛ كي نخجل منه ، يكفي أن نعلم أن مجرد الاعتذار، هو اعتراف بالخطأ ورجوع عنه، وبالتالي فإن ترجمة هذا الشعور إلى فعل حسي ملموس، يحتاج إلى قوة محركة تجبر النفس على النزول إلى الحق ومحاسبة ذاتها، وهذا لا يكون إلا عند من ملك صفة الشجاعة. إذا كنت من الذين يَجّبُرون الإساءة بالاعتذار فاعلم أنك شجاع في بعض المجتمعات يعد الاعتذار جزءاً من مقوماتها وثقافتها الفكرية، فتراهم يزرعون في أطفالهم ثقافة الاعتذار منذ الصغر، حتى أن الأمر عندهم وصل حداً جعلهم يقرنون الصفح عن المخطئ، أو تخفيف العقوبة عن المجرم بالاعتذار، وسنرى أنه وعندما تخطئ النخب في هذه المجتمعات فإن أول مطالب الجمهور هو دعوة المخطئ للاعتذار عن خطئه بحق الدولة والمجتمع وحتى الأفراد .
ثقافة الاعتذار من المفترض أن تشمل جميع الفئات العمرية أطفالًا وكبارًا، ولكن التركيز على تعزيز هذه الثقافة عند الأطفال قد يكون لها أهمية لا سيما أنهم سيكبرون ويقودون المجتمعات، ، وفيما يأتي بعض النصائح التي من شأنها أن تعزز هذه الثقافة لدى الأطفال، هي كالآتي: يعزز الآباء أو الأمهات من ثقافة الاعتذار عند أبنائهم من خلال مساعدتهم على تهدئة أنفسهم عند ارتكابهم سلوكًا خاطئًا، فقد يشعر الطفل بالغضب ويفقد السيطرة على نفسه في حالة كهذه، وبالتالي فالحالة تستوجب الصفح بالدرجة الأولى، ومن الخطأ أن يُجبر الطفل على الاعتذار، فالأسلم أن يفهم خطأه ويعتذر عنه بدافع ينبع من ذاته، الأمر الذي يعزز لديه التعامل مع أخطائه بطريقة صحيحة، وشيئًا فشيئًا يستطيع صياغة مواقفه مع الآخرين في مدرسته وعمله مستقبلًا، وحتى مع زوجته. يعزز الوالدان ثقافة الاعتذار عند أبنائهم باعطائهم المجال للتحدث والتعبير عن أخطائهم، فقد يكونوا على حق في تصرفهم، ولكن لجهلهم حسبوا ما قاموا به سلوكاً خاطئاً،، وفي هذه الحيثية يتعلم الأبناء التمييز بين المواقف الصحيحة أو الخاطئة. يعزز الوالدان ثقافة الاعتذار عند أبنائهم بتشجيعهم على التعاطف والتسامح مع الآخرين، فبعد تحليل الخطأ الذي ارتكبه الطفل بحق الآخرين يناقش الوالدان الطفل بأهمية خطأه، وكيف لو كان هو من تعرض لأمر كهذا، بالتالي سيقدر حجم خطأه، ومستقبلًا سيتجنب الوقوع فيه. يعزز الوالدان من ثقافة الاعتذار عند أبنائهم من خلال بمراجعة مواقفهم التي أخطأوا فيها، والطلب منهم التفكير فيما لو أن الزمن عاد إلى الخلف فماذا سيكون موقفهم، الأمر الذي له أهمية في التفكير والتدبر فيما فعلوه، فضلاً عن ضبط مشاعرهم والتحكم بتصرفاتهم مستقبلًا.
أ.م.د.سلمان عبود يحيى
قسم العقيدة والفكر الإسلامي