مقال بعنوان: كيف نودع شهر رمضان
مقال بعنوان: كيف نودع شهر رمضان
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من بعث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين، وبعد
فإن ( شهر رمضان المبارك ) شهر كريم يسر المسلمون بقدومه وينتظرونه، وقد كان السلف يسألون الله تعالى ستة أشهر من السنة أن يبلغهم شهر رمضان، ويسألونه في الأشهر الأخرى أن يتقبل منهم ما فعلوا فيه وما وفقهم له في هذا الشهر، لذلك فإن السرور بقدوم شهر رمضان لا يعدله إلا الحزن لفراقه؛ لأن كثيراً من الناس يوشك ألا يأتي عليه رمضان آخر، وقد أتيحت له فرصة المغفرة والعتق من النار في هذا الشهر.
وأيضاً فإن كثيراً من الناس يأنس من السعادة ويشتاق إليها، وإنه في هذا الشهر قد نال فرصةً عظيمةً للسعادة، فكثير من الناس إذا قارن حياته بالسنة، وأيامه المعدودة في هذا الشهر ولياليه فسيجد فرقاً شاسعاً بين هذه الأيام التي يعيشها في هذا الشهر، وأيامه في السنة الأخرى، فهذه الأيام يجد أن علاقته بالله سبحانه وتعالى قد تحسنت ، وأن الوقت الذي يمضيه وهو في بيت من بيوت الله تغشاها رحمة الله تعالى، وتنزل عليه السكينة، وتحفه الملائكة، وهو صائم لربه، أو قائم في الليل بين يديه، أو قارئ لكتاب الله تعالى في بيت من بيوت الله، أو يخدم إخوانه ويسعى من أجل إيصال النفع إليهم، كل ذلك يجد به سعادةً في نفسه لا يعدلها شيء.
ها نحن نودع رمضان شهر الصيام، والقيام، والصبر، والتقوى، والدعاء، والتوبة، والصدقة، والجود، والرحمة، والمغفرة، والعتق من النار. ها نحن نودعه، وقد أودعناه ما عملناه من أعمال حسنها وسيئها، والأيام خزائن حافظة لأعمالنا ندعى بها يوم القيامة؛ قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: «يا عبادي، إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرًا، فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، فلا يلومن إلا نفسه» رمضان كسوقٍ انتصب ثم انفض، ربح فيه الرابحون، وخسر فيه الخاسرون، فيا سعادة من عمر أوقاته بالطاعات، ذهبت مشقة الطاعة عنه، وبقيت لذة الفوز! ويا خسارة من فرط فيه، ذهبت لذة النوم واللهو والتفريط، وبقيت حسرة الندامة والخسران، في يوم توزع الأرباح! انقضاء رمضان عبرة وعظة، فما مضى منه لن يعود وهو كأعمارنا؛ قال الحسن البصري رحمه الله: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام، إذا ذهب يومك ذهب بعضك".
تمر بنا الأيام تترى وإنمــــــــــــا *** نساق إلى الآجال والعين تنظرُ
فلا عائد ذاك الشباب الذي مضى *** ولا زائل هذا الشيب المكــــدر
واذا تاملنا الناس بعد رمضان وجدناهم على أصناف ثلاثة:
الصنف الأول: يحافظون على ما كانوا عليه من الخير في رمضان، فتراهم يحافظون على الصلوات الخمس في المساجد، ويداومون على القيام، وعلى الصيام، وأول صوم يصومونه صيام ستة أيام من شوال؛ قال صلى الله عليه وسلم: «من صام رمضان ثم أتبعه ستًّا من شوال، كان كصيام الدهر»، ويداومون على العمل الصالح، ويهجرون اللغو والمنكرات، فلهؤلاء نقول: هنيئًا لكم حصدكم لثمرات صيامكم، وقبوله عند ربكم، فمن علامات قبول رمضان المداومة على العمل الصالح بعده.
الصنف الثاني: لم يكونوا على ما يرام قبل رمضان، ولا في رمضان، ولا بعد رمضان، فلم يغير رمضان من حالهم، ويفرحون لزواله حتى ينطلقوا في شهواتهم الآثمة، فهؤلاء شر الأصناف الثلاثة،
الصنف الثالث: اجتهدوا في رمضان، واستقبلوه بالتوقير والاحترام، واجتهدوا فيه مبلغ جهدهم من أنواع الطاعات وتجنب المعاصي، لكنهم بعد رمضان ولوا أدراجهم، فتركوا الصلوات أو فرطوا فيها، وتركوا صيام النوافل، وتركوا عمارة المساجد، وهجروا القرآن … فلهؤلاء نقول: لا تكونوا عباد المواسم، {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} [النحل: 92].
اذن فهذه دعوة عامة شاملة لتجديد الهمة ودوام الطاعة والتعلق بالله سبحانه وتعالى وان نجعل العام كله رمضان ونجعل نفحاته تعيش معنا ليل نهار ، نمضي لطاعته سبحانه ونبتغي رضوانه نسال الله تعالى ان يجمعنا على محبته وطاعته انه سميع مجيب وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين
أ.م.د. طه ياس خضير
قسم علوم القران والتربية الاسلامية