مقال بعنوان : خطورة الدراسات الحداثية للنص القرآني
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين وعلى اله وصحبه اجمعين 0
لقد تعرض القران الكريم قديما ومنذ البدايات الاولى للنزول على قلب الحبيب صلى الله عليه وسلم الى هجمات متعددة من قبل اعداء الاسلام تمثلت بأسلوب التشكيك حيث زعم الكفار أن القران الكريم من تأليف النبي صلى الله عليه وسلم اقتبسه من اخرين من الكتب السابقة “التوراة ،والانجيل ” ووصفهم للنبي بأنه شاعر ،ومجنون ، وان القران الكريم من اساطير الاولين قال تعالى 🙁 وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) الانفال (31) ،وكذلك اسلوب التشويش قال تعالى 🙁 وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) فصلت (26) {والغوا فيه} وفيه أربعة تأويلات: أحدها: يعني قعوا فيه وعيبوه , قاله ابن عباس. الثاني: جحدوه وأنكروه , قاله قتادة. الثالث: عادوه , رواه سعيد بن أبي عروبة. الرابع: الغوا فيه بالمكاء والتصدية , والتخليط في النطق حتى يصير لغواً , قاله مجاهد
وكذلك ظهور حركات الردة وما قاله مسيلمة الكذاب عن القران من خزعبلات مضحكة ،وتقدم الزمن ظهور طائفة تقول بوجود تعارض بين آيات القران الكريم فتصدا لهم علماء الامة ومنهم العالم الهمام ابن قتيبة في مصنفاته ومنها كتابه القيم تأويل مشكل القران فقد اثر عنه انه قال “وقد اعترض كتاب الله بالطعن ملحدون ولغوا فيه وهجروا، واتبعوا ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ بأفهام كليلة، وأبصار عليلة، ونظر مدخول، فحرّفوا الكلام عن مواضعه، وعدلوه عن سبله. ثم قضوا عليه بالتّناقض، والاستحالة، واللّحن، وفساد النّظم، والاختلاف. وأدلوا في ذلك بعلل ربما أمالت الضّعيف الغمر، والحدث الغرّ، واعترضت بالشبه في القلوب، وقدحت بالشكوك في الصدور. ولو كان ما نحلوا إليه على تقريرهم وتأوّلهم- لسبق إلى الطعن به من لم يزل رسول الله، صلّى الله عليه وآله وسلّم، يحتجّ عليه بالقرآن، ويجعله العلم لنبوّته، والدليل على صدقه، ويتحداه في موطن بعد موطن، على أن يأتي بسورة من مثله. وهم الفصحاء والبلغاء، والخطباء والشعراء، والمخصوصون من بين جميع الأنام بالألسنة الحداد، واللّدد، في الخصام، مع اللّب والنّهى، وأصالة الرّأي. وقد وصفهم الله بذلك في غير موضع من الكتاب، وكانوا مرّة يقولون: هو سحر، ومرة يقولون: هو قول الكهنة، ومرة: أساطير الأولين .فأحببت أن أنضح عن كتاب الله، وأرمي من ورائه بالحجج النيّرة، والبراهين البيّنة، وأكشف للناس ما يلبسون. فألفت هذا الكتاب، جامعا لتأويل مشكل القرآن”
وفي عصرنا الحالي كانت الهجمة شرسة جدا اذ ظهر العلمانيون والعصرانيون والحداثيون وظهرت الدراسات الحداثية للنص القرآني او ما يعرف بالقراءات الجديدة او بالقراءات المعاصرة وهي من اخطر الهجمات التي تعرض لها القران الكريم في الوقت الحاضر لان الهدف منها تغيير معالم الدين وضرب كل الفهوم التي فهمها السلف وعلماء الامة من القران
والقراءة الجديدة للقران مصطلح جديد يمكن ان نعتبره ذا مدلولين
الاول : يعني اطلاق الفكر في فهم القران واستخدام النظريات المعاصرة في تأويله ،دون الرجوع الى شيء من افهام السابقين او التقيد بشيء من الضوابط المقررة
والثاني يعني اعمال الفكر في فهم القران فهما جديدا يبنى عليه ما سبق من الافهام وينطلق وفق الضوابط والقواعد المقررة وضمن الثوابت التي لا تتغير
وتعد القراءة الجديدة بمدلولها الاول سلاحا جديدا يوجه لضرب الاسلام وطمس معالمه وتعد بمدلولها الثاني امر مقبول لا يسع المسلم جهله لما لها من هدف نبيل في اعمال العقل وعدم تعطيل وسائل الادراك
فالقراءات الحداثية ما هي الا انسلاخ عن آيات الله تعالى وتباع سبيل المستشرقين الذين يرومون منذ القدم الطعن في القران الكريم
وختمت الهجمات على القران الكريم بظهور الحركات النسوية او ما يعرف بالتفسير النسوي وفي الحقيقية ان هذا التوجه النسوي فكرة ماكرة لاختراق الفكر الديني المرتبط بالقران وهذا التوجه هو امتداد للفكر الحداثي السابق بإسهام نسوي
ان الدعوة لقراءة جديدة ومعاصرة للنص القرآني دعوة لها نتائج خطيرة ومن ذلك :
1- نزع الثقة بمصدر الدين ،فهذه القراءة الجديدة للنص تفضي الى نزع الثقة في مصدر الدين
2- الغاء العمل بالقران الذي نزل ليكون مرجعا ومنهجا للناس ،لان كل انسان سيفهم منه فهما مغايرا لفهم الاخر مما ينتج عنه ان لا يكون هناك قانون عام يحتكم اليه جميع الناس
3- ومن اخطر نتائج هذه القراءة الغاء الفهم الصحيح للدين ،فهذه القراءة الجديدة سينشأ عنها دين يمكن ان يسمى أي شيء الا الاسلام 0000ان الفهم الجديد الذي تنتجه هذه القراءة هو فهم قد ينتهي من حيث المبدأ الى مخالفة كل ما هو سائد من فهم ،سواء تعلق الامر بالمرتكزات العقدية او بالشرائع والاخلاق ،اذا القراءات الحداثية للنص القرآني ما هي الا تخرصات وتحريف لمراد الله تعالى ومن ابرز ما انتجته القراءات الحداثية انه ” ليس من الضروري ان يحتشد الناس جماعات في مسجد لإقامة الصلاة ،وذلك لان الصلاة مسالة شخصية ،وليست واجبة وقد فرضت اصلا لتلين عريكة العربي وتعويده على الطاعة ، والزكاة ليست واجبة وانما هي اختيارية ، والصوم كذلك ليس فرضا وانما هو للتخيير
4- خطورة هذا الفكر الذي يهدف عن قصد او غير قصد الى تمييع الاسلام وتهميشه وجعله مطية لمحاربة الصحوة الاسلامية ،وباختصار فان اهتمام الحداثيين بالدين هو اهتمام املته الظروف والصراعات الفكرية والسياسية ضد التيار الديني
5- احتقار الحداثيين الواضح لمناهج التفسير والزهد فيها الى درجة تصل احيانا الى العداء المكشوف
6- التناقض المنهجي والضبابية التي يعاني منها الحداثيون فهم لا يقدمون مناهج بل تصورات ايديولوجية مستورة واشلاء معرفية متنافرة
7- ان التفاسير التي يقدمها الحداثيون هي تفسيرات منحرفة بعيدة كل البعد عن روح الاسلام ومبادئه
8- اختراق جدار القدسية للقران الكريم
9- حملة التشويه التي اتفق عليها اولئك على ائمة الدين وعلمائه ومفكريه ،وذلك من خلال ابطال مرجعية كتب التفسير التراثية واضعاف الثقة بها يقول محمد شحرور ” فماذا قدم السادة العلماء للناس لقد تصدر العلماء المجالس والاذاعة والتلفزيون على انهم علماء المسلمين وجلهم ناقل وليس بمجتهد 000وعند مشايخنا فهم القران هو عن 000عن وقال مجاهد ،وعكرمة ،وابن عباس ،وابن كثير ،والزمخشري علما بان اقوال هؤلاء ليس لها قيمة علمية كبيرة بالنسبة لنا “
10-ومن مظاهر الحداثة ونتائجها مسالة تحرير المرأة يقول الشيخ مصطفى صبري في كتابه قولي في المرأة على احد دعاة تحرير المرأة بالمفهوم الغربي حيث يقول ” والقول بان الاختلاط يؤدي الى الفوضى هو قول مبتذل لم يقم عليه دليل ” ويقول اخر ” ان نظام الاختلاط بين الشباب والفتاة في سن مبكر معدوم في مصر ،لا يكاد يكون له اثر الا في اسرنا الاستقراطية ممن عاشوا ردحا من الزمن في اوربة 000وانه ليعجبني كثيرا نظام الاختلاط في الاسرة الانكليزية ،فتجد الطفل يصاحب طفلة الجيران ،ويلعبان معا في حديقة منزل احدهما ويبقيان على ذلك حتى سن الشباب ،فيتدرج من اللعب معها الى الزمالة في الدراسة ،ثم دعوة كل منهما صاحبه لتناول الشاي “
11-اما موقف الحداثيون ان نظام الارث الاسلامي نظام ينتقص حق المرأة ولا يتماشى وروح العصر التي تدعو الى المساواة بين الجنسين في الواجبات والحقوق لذا وجب تغيير هذا النظام الموروث بنظام جديد يحقق للمرأة كرامتها ويراعي انسانيتها
12- ومن ابرز افرازات المنهج الحداثي نشر الاباحية ومحاولة صبغ المجتمع بالصبغة الغربية اذ يلجؤون الى انكار تحريم ما علم تحريمه بالضرورة من الدين الاسلامي ومن نتائج تلك الافرازات ادعاء عدم حرمة الخمر ،ادعاء عدم حرمة اللواط ، زعم كل من المستشار محمد سعيد عشماوي ومحمد شحرور ونصر ابو زيد ان الخمر ليست محرمة ولكن مأمور باجتنابها فقط ” الخمر ليست عادة سلوكية ولكنها تجربة حياة بها تتحول الحياة الى ما يشبه النشوة الدائمة “
ويظهر من خلال ما تقدم ان القراءات الحداثية ما هي لا تحريفا للنصوص القرآنية ،وبعيدة عن مراد الله تعالى فيجب علينا ان نفهم القران الكريم فهما صحيحا وان نتقيد بالضوابط والقواعد التي وضعها علماء الامة للفهم الصحيح الخالي من الانحرافات ” والمحصّلة عند هؤلاء تتجلى في أمور جد خطيرة:
1 – إسقاط قدسية النص القرآني، وذلك عن طريق قطعه عن مصدره. 2 – إسقاط إلزامية القرآن الكريم بالنسبة للمسلمين، وذلك من خلال فتح باب التأويل على مصراعيه من غير ضوابطه العلمية المقررة. 3 – القطيعة المعرفية مع التراث وذلك عن طريق رفضه كله
أ.م.د شاكر محمود مهدي
قسم العقيدة والفكر الاسلامي
