الإمام الحسين ” عليه السلام” في عيون الإنسانية
د. عمار ابراهيم صالح
الإمام الحسين “عليه السلام” من أبرز من خلدتهم الإنسانية في جميع مراحل تاريخها، ومن أروع من ظهر على صفحات التاريخ من العظماء والمصلحين الذين ساهموا في بناء الفكر الإنساني، وتكوين الحضارة الاجتماعية، وبلورة القضايا المصيرية لجميع شعوب الأرض .وإن الإمام الحسين “عليه السلام” من المع القادة المصلحين الذين حققوا المعجزات على مسرح الحياة، وقادوا المسيرة الإنسانية نحو أهدافها، ودفعوا بها إلى إيجاد مجتمع متوازن تتحقق فيه الفرص المتكافئة التي ينعم فيها الناس على اختلاف قومياتهم وأديانهم .
لقد فرقت نهضة الحسين بين دعوة الحق والباطل وميزت أحد الفريقين عن الآخر وهي صرخة أكملت مسيرة الجهاد والمحافظة على الدين , ولقد كان الإمام الحسين “عليه السلام” من أكثر المصلحين جهاداً وتضحية، فقد انطلق إلى ساحات الجهاد مع كوكبة من أهل بيته وأصحابه مضحياً بنفسه وبهم، ليقيم حكم القرآن وعدالة السماء الهادفة الى تدمير الجور وإزالة الاستبداد وإقامة حكم عادل يجد فيه الإنسان أمنه وكرامته ، فكانت حياة الإمام الحسين “عليه السلام” في جميع العصور والأجيال رمزاً للعدل، ورمزاً لجميع القيم الإنسانية .
فأغلب حياة المصلحين الذين وهبوا حياتهم لأممهم وشعوبهم تبقى مشعة وتعطي نتاجها للناس ولكن في فترة خاصة ومحددة من الزمن لم تلبث أن تتلاشى وتزول ، أما حياة الإمام الحسين “عليه السلام” فقد شقت أجواء التاريخ وهي تحمل النور والهدى لجميع الناس، كما تحمل شارات الموت والدمار للمخربين والظالمين في جميع الأجيال، لقد تفاعلت حياة الإمام الحسين “عليه السلام” مع أرواح الناس وامتزجت بعواطفهم ومشاعرهم وهي تتدفق بالعزة والكرامة وتدفع المجتمع الى ساحات النضال لتحقيق أهدافه وتقرير مصيره ، إنها مدرسة الأجيال الكبرى التي تفيض بالخير والعطاء على الناس جميعاً متفقين ومختلفين تدفعهم إلى الإيمان بالله وتعمل على توجيههم الوجهة الصالحة كما تعمل على تهذيب الضمائر وتنمية الوعي .
ولهذا يرى أنطوان بارا أن الإمام الحسين “عليه السلام” ليس حكراً على الشيعة أو المسلمين بل هو للعالم أجمع فهو ضمير الأديان، ويقول لو كان الحسين “عليه السلام” منا فلأقمنا له في كل أرض بيرقاً، لأنه ليس مرحلة فحسب بل هو مسيرة حرية الإنسان، وهو مبدأ أزلي والكثير من المسلمين لم يكتشفوا بعد سر امتداد ثورة الإمام الحسين “عليه السلام” وتأثيرها في النفوس “, فهو يرى أن غاندي مصلح تأثر بشخصية المصلح الأكبر الحسين بن علي “عليهما السلام”، وقد انتهج منهجية اللاعنف، واستطاع توظيف المظلومية في الانتصار على الاستعمار البريطاني، تماماً كما فعل الإمام الحسين “عليه السلام” عندما وظف مظلوميته على مر التاريخ للحفاظ على العقيدة والدين والمبادئ .
إن ثورة الإمام الحسين “عليه السلام” استأثرت باهتمام العديد من رجال السياسة ورجال العلم والأدب والشعر في جميع أنحاء العالم؛ لما في هذه الثورة من مبادئ ثورية صرفة؛ الأمر الذي جعل العديد من هؤلاء يتحدثون ويحثون أشياعهم على الاقتداء بهذه الثورة ومبادئها وبتضحية رجالها، إضافة إلى أن العشرات بل الملايين من الكتاب والمؤرخين البارزين سواء العرب منهم أو غيرهم من المسلمين وغير المسلمين ومن العديد من دول العالم كتبوا وألفوا كتباً عديدة عن هذه الثورة وقائدها الخالد .
إن حياة ريحانة الرسول ومثله ستبقى حية وخالدة الى الأبد؛ لأنها استهدفت القضايا المصيرية الجميع الشعوب، إن الإمام الحسين “عليه السلام” لم ينشد في ثورته الخالدة أي مطمع سياسي أو نفع مادي وإنما استهدف المصلحة الاجتماعية وعنى بأمر الناس جميعاً، ليوفر لهم العدل السياسي والعدل الاجتماعي .
