حب آل بيت النبي (عليه الصلاة والسلام)
ا.م.د. عمر حسن علي
كلية العلوم الاسلامية
قسم العقيدة والفكر الاسلامي
نور في القلب وسمو في الروح
إن حب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ليس مجرد عاطفة عابرة أو انتماءً قبلياً، بل هو شعبة من شعب الإيمان، ورباط مقدس يربط المؤمن بنبيه الكريم، ويمتد ليشمل من اختارهم الله تعالى ليكونوا قرابته صفوته من خلقه. فهذا الحب ينبوع من ينابيع الوحي، ويتجذر في صميم العقيدة الإسلامية، ويرتقي بالروح إلى مدارج السمو والطهر.
أصلٌ قرآني وعهدٌ نبوي:
لقد جعل الله تعالى لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم مكانة رفيعة، تكريماً لرسوله ومقامه العظيم. قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]. هذه الآية الكريمة، نزلت في أهل الكساء الخمسة: النبي صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب، وفاطمة الزهراء، والحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين، لتشهد لهم بالطهارة والعصمة من الرجس. وهي دستور محبتهم وتبجيلهم.
وأوصى النبي صلى الله عليه وسلم أمته بهم خيراً في مواطن عديدة، مؤكداً على حقوقهم ووجوب مودتهم ومحبتهم، فقال صلى الله عليه وسلم: “أذكِّرُكم اللهَ في أهلِ بيتي” ثلاثاً (رواه مسلم). وجعل حبهم علامة على صحة الإيمان، فقال: “ألا وإني تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور… وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي” (رواه مسلم). فقرنهم صلى الله عليه وسلم بكتاب الله العظيم، دلالة على عظم مكانتهم وشدة التمسك بهم واتباع هديهم.
من هم آل البيت؟
آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم هم من حرمت عليهم الصدقة بنص الحديث الشريف، وهم:
- أزواجه الطاهرات رضي الله عنهن: أمهات المؤمنين، اللاتي كان لهن أعظم الأثر في حياة النبي ونشر دعوته.
- بناته رضي الله عنهن: وعلى رأسهن سيدة نساء أهل الجنة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، البضعة النبوية التي كانت قرة عينه صلى الله عليه وسلم.
- ابن عمه وصهره علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أول من آمن من الصبيان، حامل لواء العلم والجهاد.
- سبطاه الحسن والحسين رضي الله عنهما: سيدا شباب أهل الجنة، ريحانتا النبي صلى الله عليه وسلم من الدنيا.
حبٌ يقتضي اتباعاً واقتداءً:
حب آل البيت ليست شعارات تُرفع أو قصائد تُنشد فحسب، بل هو حب عملي يترجم إلى:
- تقدير مكانتهم: الاعتراف بفضلهم ومنزلتهم التي أكرمهم الله بها لقرابتهم من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
- اتباع هديهم وسيرتهم: فهم رضي الله عنهم كانوا قدوات في العلم، والزهد، والعبادة، والصبر، والجهاد، والتضحية. محبتهم تقتضي الاقتداء بسلوكهم النبيل والتخلق بأخلاقهم الرفيعة.
- الدفاع عنهم ونصرتهم: الذب عن أعراضهم، وبيان حقهم، ورد الشبهات التي تثار حولهم، ورفض أي تجريح أو انتقاص من قدرهم.
- الدعاء لهم: الإكثار من الصلاة والسلام عليهم، والدعاء لهم بالمغفرة والرضوان، اقتداءً بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم.
- توقير ذريتهم الصالحة: احترام وتقدير من تبقى من ذرية آل البيت الصالحين الملتزمين بشرع الله وسنة نبيه.
حبٌّ جامع لا مفرّق:
ومن الجمال والدقة أن ندرك أن حب آل البيت في المنظور الإسلامي الصحيح لا يتناقض مع حب الصحابة الكرام رضي الله عنهم جميعاً. فهم جميعاً حملة الرسالة وناشروها. محبة آل البيت جزء لا يتجزأ من محبة النبي صلى الله عليه وسلم واتباع سنته، وهي حب يوحد القلوب على الخير والهدى، لا أن يفرقها بالتعصب أو الغلو الذي نهى عنه الشرع.
فلتكن محبتنا لهم صادقة نابعة من اتباعهم والاقتداء بهديهم، سائلين المولى عز وجل أن يوفقنا لحب من أحبهم، وموالاتهم، والسير على دربهم حتى نلقاه وهو عنا راضٍ. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
