مقال بعنوان: الصَّبْرُ على البلاء
الصبر نعمة كبيرة على من يمن الله تعالى بها عليه ، والصبر إما على البلاء ، أو صبر على الطاعة، والمسلم مأجور في كل الأحوال ما دام صابرا. وعلى الإنسان أن يسلم بما يقع له من ابتلاءات، وأن يستعين عليها بالذكر والقرآن الكريم.
وهناك الصبر على بلاء الدنيا ونكبات الأيام. وهذا ما لا يخلو منه بر ولا فاجر، ولا مؤمن ولا كافر؛ لأنه راجع إلى طبيعة الحياة، وطبيعة الإنسان، وما رأينا أحدًا يسلم من آلام النفس، وأسقام البدن، وفقدان الأحبة، وخسران المال، وإيذاء الناس، ومتاعب العيش، ومفاجآت الدهر.
وهذا ما أقسم الله على وقوعه حين قال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة: 155 – 157). ومما يعين المبتلى على الصبر أن يستعين بالله تعالى، ويلجأ إلى حماه، فيشعر بمعيته سبحانه، وأنه في حمايته ورعايته. ومن كان في حمى ربه فلن يضام. وفي هذا يقول تعالى في خطاب المؤمنين: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال: 46). ومن كان بمعية الله مصحوبًا، وكان بعين الله ملحوظًا، فهو أهل لأن يتحمل المتاعب ويصبر على المكاره.
وعَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «مَا يُصِيبُ المُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ، وَلَا حَزَنٍ، وَلَا أَذًى، وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا إِلَّا كَفَّرَ اللهُ بِهَا مِنْ خَطَاياهُ»
وبعض الناس يظن أن هذا الذي يصاب بالأمراض ونحوها مغضوب عليه، وليس الأمر كذلك! فإنه قد يبتلى بالمرض والمصائب من هو من أعز الناس عند الله وأحبهم إليه كالأنبياء والرسل وغيرهم من الصالحين كما حصل لنبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام، ولنبي الله يونس عليه الصلاة والسلام؛ وذلك ليرفع شأنهم ويعظم أجورهم وليكونوا أسوة صالحة للمبتلين بعدهم.
وقد يبتلى الإنسان بالسراء كالمال العظيم والنساء والأولاد وغير ذلك فلا ينبغي أن يظن أنه بذلك يكون محبوبًا عند الله إذا لم يكن مستقيمًا على طاعته، فقد يكون من حصل له ذلك محبوبًا، وقد يكون مبغوضًا، والأحوال تختلف والمحبة عند الله ليست بالجاه والأولاد والمال والمناصب وإنما تكون المحبة عند الله بالعمل الصالح والتقوى لله والإنابة إليه والقيام بحقه، وكل من كان أكمل تقوى كان أحب إلى الله.
فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه ومن ابتلي بالكفر والمعاصي فهذا دليل على أنه مبغوض عند الله على حسب حاله.
ثم أيضا قد يكون الابتلاء استدراجا فقد يبتلى بالنعم يستدرج بها حتى يقع في الشر وفيما هو أسوأ من حاله.
وقد يبتلى الناس بالأسقام والأمراض ونحو ذلك لا عن بغض ولكن لحكمة بالغة، منها رفع الدرجات وحط الخطايا كما تقدم بيان ذلك.
شكا عبد الله بن أبي يعفور إلى جعفر الصادق (ع) ما يلقى من الأوجاع – وكان مسقاما – فقال له : ((يا عبد الله !..لو يعلم المؤمن ما له من الجزاء في المصائب ، لَتمنّى أنه قُرّض بالمقاريض)).
اذن فالصبر على البلاء منهج تربوي واخلاقي وايماني يمنح من سار على نهجه بالظفر والفلاح ويعطيه القوة والتفائل ، فيتحول الى منظومة من الأمل وقوة الشخصية المتزنة وصلابة الموقف تجاه الخير ، ويمنح للإنسان زخما معنويا من التحدي في الحياة ومواصلة طريق الخير قدما نحو الخير .
أ.م.د حيدر احمد حسين
قسم علوم القران والتربية الاسلامية
